المصريون
جمال سلطان
جريمة مانشستر .. وموقف الإسلاميين تجاهها
في فترة التسعينات من القرن الميلادي العشرين ، كانت الضغوط القمعية على التيار الإسلامي في العالم العربي بالغة العنف ، وأحكام الإعدام بالعشرات والتصفيات داخل السجون بالمئات وأما من يغيبون داخل السجون التي تفتقر إلى أبسط شروط الآدمية إلى آخر عمرهم فهم بعشرات الآلاف ، ناهيك عن التعذيب بمختلف صوره المروعة والإهانة وتدمير الأسر وتشتيت الأطفال وخراب البيوت والرعب الذي يعصف بالعائلات ، في مصر مبارك وليبيا القذافي وسوريا الأسد وتونس بن علي ، وكانت أعداد كبيرة من الشباب الإسلامي الذي انجذب لخطاب الدعوة إلى الجهاد في أفغانستان ، وهو خطاب كان مشروعا في وقته ومقبولا بل ومستحبا أمريكيا وعربيا ، لإذلال الروس في أفغانستان واستنزاف الدولة السوفيتية المترهلة ، ولكن بعد أن انتهت المهمة ، انقلب العالم على هؤلاء الشبان وطاردوهم ، وكان من يرحل منهم إلى بلده يعتبر في حكم الأموات ، فهرب بعضهم إلى إيران التي احتضنت قيادات تنظيم القاعدة ، وهرب بعضهم إلى سوريا حيث وظفتهم بدهاء استخبارات آل الأسد في مشروعاتها في المنطقة وفي استنزاف الأمريكيين بعد ذلك في العراق بعد إسقاط صدام ، حيث كان الأسد في حالة رعب من زحف الأمريكيين عليه إكمالا لما فعلوه في العراق ، كما أن بعض هؤلاء الشبان اتجه إلى البوسنة والهرسك ليشارك في القتال ضد العدوان الصربي الوحشي على أهالي البوسنة ، وكان الزعيم البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش يرحب بهم ، لأنهم أبلوا بلاءا حسنا في حسم معارك كثيرة وحماية عشرات الآلاف من المدنيين من الذبح على أيدي العصابات الصربية .
في تلك الأثناء ، فتحت بريطانيا ذراعيها ـ إنسانيا ـ لهؤلاء الشبان عندما لجأوا إليها خوفا ورعبا من المصير القاتل الذي يلاحقهم ، وبسطت بريطانيا الأمن والأمان عليهم وعلى أطفالهم ونسائهم ، ويسرت لهم سبل الحياة الكريمة ، ومنحت كلا منهم سكنا مجانيا كما منحت أطفالهم فرص التعليم ، مثلهم مثل أي طفل بريطاني ، كما منحتهم وأطفالهم الرعاية الصحية ، إضافة إلى منحهم إعانات مالية شهرية تساعدهم على الحياة حتى يتسنى لهم الحصول على فرصة عمل ملائمة ، وكثر هؤلاء الشبان الإسلاميون في بريطانيا بصورة ملحوظة ، وبعد أن ذهب الخوف عنهم وابتلت العروق وظهرت آثار النعمة ، بدأ بعضهم ينشطون هناك في هجاء بريطانيا وسب البريطانيين كما لو كانوا غزاة فتحوا بريطانيا ولم يبق إلا أن يفرضوا على حكومتها الجزية ، وانتشرت الخطب والمسيرات والهتافات التي تهين الشعب البريطاني نفسه وتحتقره ، كما ظهر هناك من بين اللاجئين من أعلن عن نفسه "الخليفة" ، وقد كان هذا الخليفة يذهب كل شهر لاستلام المعونة التي تقررها له الحكومة البريطانية للإنفاق على أولاده ، وأذكر أنه في تلك الأيام كان الإسلاميون ـ تمازحا ـ يطلقون على بريطانيا "عاصمة دولة الخلافة" من كثرة حضور الإسلاميين فيها ومساحة الحريات التي منحت لهم ولم يجدوها في بلادهم .
في تلك الفترة كانت هذه الروح سلمية ، محض كلام هزيل ومستهتر ، لشبان ربما لا يجدون مشروعا سياسيا يستوعبهم في نشاط جاد ومسئول ، غير أن الأمر عندما زاد عن حده وبدأت الشرطة البريطانية ترصد اتصالات ولقاءات مع قيادات لتنظيم القاعدة ، تمت محاصرة تلك التحركات ، والقبض على بعضهم وترحيل آخرين إلى أمريكا ، فتقلصت تلك الظاهرة .
بريطانيا تعرضت أمس لعمل إرهابي كبير ، تفجير ملعب كان يشهد حفلا موسيقيا ، وتناثرت جثث الأطفال والنساء على الأرض في مشهد دموي مروع ، ورئيسة الوزراء البريطانية قالت أنهم يعرفون من وراء العملية ، وأن الدلائل كلها تشير إلى أنها عمل إرهابي ، وصحيح أنه حتى تلك الساعة لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن العملية ، إلا أن البصمات والطريقة ربما تشير إلى "الجهة" التي تحترف هذا النوع من الأعمال الإجرامية الخسيسة ضد المدنيين ، وفي كل الأحوال ، سيكون ملزما من الناحية الدينية والأخلاقية والإنسانية للإسلاميين في بريطانيا ـ وفي العالم ـ أن يعلنوا عن إدانتهم لتلك العملية الجبانة ، وأن يعلنوا رفضهم لتلك الممارسات المشينة ، فاليد التي أنقذتك من الهلاك وانتشلت أطفالك من البؤس والضياع لا تستحق أن تعضها ، أو تحرقها ، هذه بديهية لا تحتاج إلى فلسفة ولا جدل سياسي أو ديني ، فقط تحتاج أن تكون إنسانا ، بني آدم .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف