الوطن
محمد صلاح البدرى
رسائل الكراهية!!
أعتقد أنه قد حان الوقت لنعترف، أمام أنفسنا على الأقل، أننا نجيد صناعة الأزمات، وأننا نحترف البحث عن المشاكل التى لا حل لها ولا داعى لوجودها من الأساس، فقط لنصل إلى الصدام والفُرقة اللذين نحرص عليهما حرصنا على الحياة نفسها!!

الأمر لا يحمل أى مبالغة.. فما حدث خلال الأيام الماضية فى وسائل الإعلام المختلفة عقب تصريحات أحد شيوخ الفضائيات حول تكفير المسيحيين لا يعنى سوى تلك الصورة، وبمنتهى الحياد والإنصاف.

المشكلة لا تكمن فى ذلك الجدل الذى تلا تصريحاته، ولا موجة الغضب التى اجتاحت المجتمع بأكمله. القصة ربما تحمل ما هو أعمق من تصريحات غير مسئولة صدرت فى مكان وزمان أقل ما يقال عنهما أنهما غير مناسبين! القصة تحمل ما هو أبعد من ذلك كله!

المشكلة الأساسية هى مشكلة الإعلام نفسه.. مشكلة الرسالة الإعلامية التى أصبحت لا تحمل أدنى مستوى من المهنية أو الحرفية.

الأزمة أن البعض قد افترض أن مقومات التوجيه الإعلامى قد تلخصت فى أبجديات الفرقعة والفضيحة وغرائب الآراء وإن صحت، وترك رسالته الأصلية التى من أجلها كان الإعلام نفسه!!

ففى أى وسيلة إعلامية، وفى كل مشروع يتم التخطيط له، هناك ما يسمى الجمهور المستهدَف، وهو نوعية المشاهدين الذين يُفترض بهم أن يشاهدوا المادة الإعلامية المقدمة، إنه الجمهور الذى يتم على أساسه تحديد نوعية المادة نفسها وطريقة العرض، بل ونوعية الإعلانات التى ستملأ الفواصل داخل البرنامج نفسه!!

فبذلك المنطق يصبح الجمهور المستهدَف لبرنامج دينى يقدم على قناة فضائية هو من يدينون بتلك الديانة وحدهم، والذين يُفترض أن يجدوا فى البرنامج ما يبحثون عنه فى شئون عباداتهم ووسائلها، أو ما يجعلهم يتمكنون من تأدية مشاعر دينهم، وما يطبقونه من هذا الدين فى علاقاتهم الاجتماعية!

فإذا كان هذا هو ما يُفترض أن يهدف إليه البرنامج، فلماذا يتحدث مقدمه عن عقائد ديانات أخرى؟ ولماذا يوجه حديثه لأصحاب دين آخر، نشترك معهم فى أخوّة الأرض والدم منذ قديم الأزل؟

لا أعرف حقيقة ما الذى دار بخلد ذلك الشيخ الفاضل وقت أن تحدث عن فساد عقيدة المسيحيين ووجوب تكفيرهم بنص آيات القرآن الكريم! ولا أدرى لماذا توجّه فى حديثه إلى هذه النقطة تحديداً! بل لماذا اتجه الحديث إلى العقائد من الأساس!

ما الذى سيستفيده المسلم حين يعرف أن البعض يملك عقيدة فاسدة أو صالحة؟! و ما الذى يُفترض أن يشعر به المسيحى حين يسمع أن هناك من يكفّره ومن يدّعى فساد عقيدته؟ بل وما الذى سيفعله ذلك المواطن البسيط الذى لم ينل من التعليم قسطاً وافراً يجعله ينقّى ما يصله من أفكار، والذى لا يعرف عن الكفار سوى صورة «محمود مرسى» فى فجر الإسلام بحاجبيه الغليظين وضحكته المتقطعة الشريرة، ما الذى سيفعله حين يسمع أن جاره المسيحى «كافر»، ومن شيخ معمم يحمل ختم المؤسسة الإسلامية الرسمية؟!

ما هى الضمانة التى استند إليها فضيلة الشيخ أن البعض لن يتخذ من فتواه ذريعة لتخليص العالم من «الكفرة» الذين يشاركوننا فى الأرض والوطن دون أن يصل إلى فهمه تلك التفاسير التى تعرّف الكافر بأنه فقط غير المعترف بعقيدة الآخر؟!

إن رسالة الكراهية التى أرسلها مقدم البرنامج -وإن لم يتعمدها- ربما هى أخطر على المجتمع من هؤلاء المتطرفين الذين يفجرون دور العبادة المسيحية.. والذين دافعوا عنه عقب تلك الضجة ربما كانوا أكثر جهلاً من هؤلاء الذين نخشى عليهم من تلك الأفكار!

أعتقد أن ضبط الرسالة الإعلامية هو الخطوة الأولى لتجديد الخطاب الدينى، وإعادة تقييم المادة المقدمة هى السبيل الأول والأوحد لنتخلص من رسائل الكراهية التى لم نعد نتحملها!!

استقيموا يرحمكم الله!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف