الوفد
عباس الطرابيلى
جيل يشكو.. أكثر مما يعمل!
نعم، تلك حقيقة يعرفها الشعب نفسه.. وتقر بها الحكومة، أي حكومة!!
فإذا قابلت أي مواطن، فإن أول ما يواجهك هو الشكوي من كل شيء.. من أسعار السلع، ومن نقص الخدمات، ومن ضعف الأداء الحكومي، أما الشكوي من انهيار مستوي التعليم.. وسوء أوضاع المستشفيات والعيادات الحكومية.. أي باتت الشكوي هي أهم ما يتحدث به الناس.. والمضحك أن أحداً منا لا يعترف بأنه لا يعمل كما يجب!! وكأن الراتب أو الأجر الحكومي حق للمواطن عمل أم لم يقدم أي انتاج يقابل هذا الأجر.
وفي نفس الظروف نتساءل: لماذا وأين اختفي المواطن القدوة في كل المجالات.. بلا أي استثناء، فهل فعلاً انتهي من حياتنا هذا المصري القدوة وأصبحنا نترحم علي جيل مضي كنا- ومازلنا- نحترمه ونحبه.. ففي الفن مثلاً لم نر «أم كلثوم» جديدة.. أو «عبدالوهاب»، أو ليلي مراد وأنور وجدي.. وحتي إسماعيل يس وعلي الكسار.. و«الريحاني».
<< وفي الثقافة اختفي من حياتنا أمثال طه حسين ولطفي السيد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس.. بل و«المنفلوطي» وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم.. وكذلك في الصحافة لم نعد نري كواكب عظيمة تتربع علي العرش وهنا استرجع تعبيرا شهيرا أطلقه عملاقنا مصطفي أمين، عن كبار صغار الصحفيين.. تماماً كما انتهي من حياتنا عمالقة السياسة من كل الأحزاب، إذ بعد «النحاس» باشا ومكرم عبيد و«النقراشي» وأحمد ماهر و«سراج الدين» لم نعد نري واحداً يصل إلي مكانة هؤلاء.. رغم ان في مصر الآن أكثر من 100 حزب سياسي، وأتحدي أن نجد من بينهم من يعرف أسماء هذه الأحزاب.. فضلاً عن رؤسائها!! ولا نقول هنا زعماءها.
<< وهكذا في كل مجال، بل إننا نعترف إن سلوكيات الشعب المصري كله تغيرت ولم يعد شعار: الصبر مفتاح الفرج.. أو يا بخت من نام مظلوماً ولم ينم ظالماً.. ونسينا تماماً: القناعة كنز لا يفني.. كل هذه السلوكيات التي صبغت حياتنا لمئات بل آلاف السنين قد تغيرت.. أو اختفت من حياتنا ولم يعد منا من يحترم كبار السن، بل نسينا معني الاعتذار إذا أخطأنا في حق غيرنا.. ولم نعد نحترم كثيراً أن نقف في الأتوبيس أو المترو لكي تجلس سيدة.. ولا يشترط أن تكون كبيرة السن، إذ كان من العيب أن يجلس الشاب.. بينما سيدة تقف حتي وإن لم تتعرض لأي تحرش من أي شاب.
<< هذا كله وغيره يزعجني- ويؤلمني- حتي الرجل الطيب، اختفي تماماً من حياتنا، ولم يعد منا من يسرع لمساعدة رجل مُسن يحاول عبور شارع أو يحمل عنه ما يتعبه.. كما كنا نفعل من نصف قرن فقط.. أو من يتخلي عن موقعه في طابور بنك، أو طابور جمعية، ونكاد ننسي دعوات أمهاتنا التي تقول: إلهي يا ابني يخليك تعطي ما تستعطي.. أو حتي مقولة القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود.
<< ألا يحتاج كل هذا التغيير- في كل سلوكياتنا- أن نسأل: أين علماء الاجتماع وعلم النفس والسلوك ليقولوا لنا: لماذا حدثت كل هذه التغيرات أم هي من الأمور العادية في أعقاب أي ثورة.. فماذا حدث لنا وقد تعرضنا لثورتين.. وهل فعلاً أصبحنا شعباً يقصر عمره علي ساعات يقضيها كيفما اتفق.. حتي ولو تعارض ذلك مع الأخلاقيات التي تربينا عليها.. أم نعود إلي بداية المقال: لماذا أصبحنا نشكو.. أكثر مما ننتج ونعمل.. الإجابة عندكم في ظل غياب أساتذة علم الاجتماع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف