لم يحصل العرب "الخليجيون" علي كل ما يريدون من أمريكا في كامب ديفيد.. لم يعطهم باراك أوباما أكثر من تطمينات كلامية بعدم التخلي عنهم ووعود بإقامة مظلة دفاعية ضد صواريخ إيران الباليستية العابرة للقارات والتزامات بعدم حصول إيران علي أسلحة نووية ودعم حقيقي من خلال وجود عسكري قوي في المنطقة لمواجهة أي تهديد عسكري تقليدي علي غرار غزو العراق للكويت عام .1990
أوباما نفسه اعترف بأنه لم يستطع تلبية كل المطالب الخليجية.. حيث قال في مقابلة مع قناة "العربية" إنه لم يتم حل جميع المشاكل في قمة كامب ديفيد.. وسيكون هناك اجتماع آخر العام القادم مع دول الخليج.. لكن الترتيبات الأمنية تغطي قلق دول الخليج من أنشطة إيران.
والآن.. ما هي الملفات أو المشاكل التي لم يتم حلها بين دول الخليج والولايات المتحدة في كامب ديفيد؟!.. بتعبير آخر أكثر وضوحاً ما هي المطالب الخليجية التي لم يستجب لها أوباما علي النحو الذي يرضي هؤلاء الحلفاء الأقربين حسب تعبيره.
لم يعد سراً أن المطلب الأهم لدول الخليج في هذه المرحلة كان واضحاً في توقيع اتفاقية ــ أو معاهدة ــ أمنية بين الجانبين.. معاهدة استراتيجية تنص علي حماية أمن دول الخليج بكل ما يشمله تعبير "حماية الأمن" من ضمانات وأبعاد.. وقد دارت مباحثات وحوارات مطولة بين الجانبين خلال الأيام السابقة علي قمة كامب ديفيد من خلال القنوات الدبلوماسية حول بنود هذه المعاهدة والالتزامات المتبادلة.. وقد تعلل أوباما بعدم القدرة علي تمرير مثل هذه المعاهدة في الكونجرس.. وتشير بعض التحليلات إلي دور للوبي الصهيوني في هذا التردد الذي بدا في موقف أوباما.
كانت هناك مطالب خليجية ــ أو طموحات ــ معلنة لدور أمريكي أكثر فاعلية في اليمن وسوريا والعراق لتقليم أظافر إيران في هذه المناطق الملتهبة وإرغامها علي عدم التدخل في أي من الدول العربية.. كان هناك تطلع خليجي إلي مشاركة قوة الانتشار السريع في الحرب البرية ضد الحوثيين في اليمن من شأنها أن تحسم المعركة مبكراً وبأقل الخسائر.. وتطوير الدور الأمريكي في سوريا ضد نظام بشار الأسد وفي العراق ضد داعش حتي لا تتحول الحرب علي الجبهتين إلي استنزاف دائم دون حسم.
وفيما يتعلق بالحرب علي الإرهاب كان الخلاف بين الطرفين ومازال يدور حول أسباب الإرهاب وكيفية مواجهته.. فالقادة الخليجيون يصرون علي أن الإرهاب يعود إلي تطرف ديني ومذهبي بسبب انتشار المفاهيم المغلوطة حول الجهاد والثورة الدينية وإقامة الشريعة.. في حين تري الولايات المتحدة أن وجود أسباب للاحتجاج السياسي في بيئات استبدادية تعاني من الجهل والفقر والمرض هو المحرك الأساسي للتطرف والإرهاب.
وقد ألمح أوباما إلي ذلك في تصريحاته لقناة "العربية" حين قال: "في ملف الإرهاب والتطرف نعمل مع دول المنطقة لضمان منح الفرص للشباب.. كما يجب حماية الشباب من الانضمام للتنظيمات الإرهابية مثل داعش أو القاعدة.
هذا التعبير الدبلوماسي يخفي وراءه اختلافاً مع دول المنطقة حول معالجة أسباب الإرهاب والتطرف.. أوباما يتحدث عن حماية الشباب ومنح الفرص للشباب.. بينما قادة المنطقة لا يرون إلا الحسم العسكري.. ويرفضون أي ارتباط بين السياسة والإرهاب.
وبسبب خلافات الرأي حول هذه الملفات المزعجة لم يذهب أربعة من قادة دول الخليج إلي كامب ديفيد واكتفوا بتمثيل أقل.. وذهب أميرا قطر والكويت فقط.
هذا ما كان في كامب ديفيد.. فماذا سيكون بعدها؟!
هناك من يقول إن أمن الخليج لن يتحقق إلا من خلال مباحثات صريحة ومباشرة وعميقة مع إيران حول كل القضايا الخلافية.. مباحثات استراتيجية بتعاقدات مكتوبة.. وبمشاركة عربية موسعة.. ولا مانع بدخول تركياً أيضا كطرف أصيل خصوصاً بعد التقارب الحاصل بينها وبين السعودية.. حينذاك سيكون العرب قادرين علي صيانة أمنهم دون وصاية.