الوفد
علاء عريبى
بين الخيال والخيال
كلما سمحت الظروف أتابع الأعمال الأدبية للأجيال الشابة، بعضها إهداء من مؤلفيها، وبعضها مما يوصينى أصدقاء بقراءته، أغلب ما قرأت من روايات تتشابه إلى حد النسخ فى عالمها وقاموسها، معظمها تصور حياة بعض الشواذ نفسيا واجتماعيا، عالم فج وقبيح لدرجة تجعلك تنفر وتشعر بالتقيؤ، وهو ما يدفعك للتساؤل: ما هى حدود المبدع؟، وما هو سقف حريته؟، هل له أن يشتط بخياله وبلغته وبسلوكيات أشخاصه؟، هل خيال المبدع لا يجب أن يخضع لعقيدة أو عادات أو أعراف؟، هل الخيال لا يكون إبداعا سوى عندما يعبر عن أحط الشخصيات؟، ألن يكون إبداعا إلا باستخدامه أقذر القواميس؟، وهل كل ما نتخيله يجوز أن ننقله إلى الورق؟
الذي تعلمتاه خلال دراستنا للفلسفة أن الحرية ليست مطلقة، وجان بول سارتر قال: حدها الآخر، والآخر كما نفهمه ليس الإنسان الذى يقابلني فى الطريق كشخص أو كجسد، بل الآخر بما يمثله من بيئة وثقافة وعادات ومعتقد وقانون، فالآخر هو المجتمع الذى نعيش فيه وليس الفرد المجاور لى فى الطريق أو المسكن أو العمل أو فى وسيلة المواصلات.
وقد حاول سارتر فى مسرحية الذباب أن يهدم بعض العادات والتقاليد، صنع بطله خارج مدينة، وسلحه بالثقافة والمنطق وبجميع الأدوات التى تعينه على قتل الله، حاول مع شقيقته ان تبتعد عن الطقوس المرتبطة بالله، شوه فيها، واستطاع بمهارته وثقافته أن يخدرها، إلى أن جاءت المواجهة الحقيقية، أفاقت شقيقته وتمسكت بعادات وتقاليد بلدها وعقيدتها، وشعر سارتر بالهزيمة، فقد تأكد أن حدود حريته العادات والتقاليد والثقافة والمعتقد، وأنه له أن يتخيل ويحلم لكن ليس كل ما يتخيله ويعتقد يمكن نقله من الذهن إلى الواقع، لهذا دفع ببطل الذباب إلى ترك البلدة معترفا بوجود الله: أنت الله وأنا حر".
بعض من قرأت لهم ينقلون كل ما يتخيلوه إلى الواقع، كان متوافقا مع الواقع أو مخالفا له، والملفت أن مخيلتهم رهينة عالم منحط بمعنى الكلم، الأشخاص معظمها شواذ فكريا وجنسيا، والقاموس سافل، يعتقدون أنهم بتصوير هذه الشريحة يعبرون عن الواقع، وكأن الواقع هو فقط هذا العالم المقرف.
بالطبع نحن ضد تقييد مخيلة المبدع، ولا مع مصادرة حريته، لكن من حقنا أن نرفق هذا العالم، وأن نعبر عن رفضنا، ومن حقنا أيضا أن نصفه بالهابط وبالمقرف دون أن تتهمونا بالتخلف أو التشدد الفكرى والدينى، أنت تخيلت وعبرت عن خيالك وقدمته لنا ولغيرنا، ونحن لم نقبله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف