تكاد تجمع التقارير والتحليلات التي تناولت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشرق أوسطية أن الرجل قد حصل من الزيارة علي ما هو أكثر بكثير مما كان يتوقعه أو يتخيله شخصياً.. لنتذكر أنه جاء إلي المنطقة وهو مكسور الجناح مهدد.. حيث بدأ الكونجرس سلسلة من التحقيقات حول علاقته مع روسيا.. وهي تحقيقات مرهقة ربما تنتهي بإدانته وعزله.. وقد وصف هذه التحقيقات بأنها كابوس ثقيل وأنه يريد أن ينتهي منها سريعاً.
ولنتذكر أيضاً أنه كان قد دخل في سلسلة مواجهات مكشوفة مع القضاء الذي أبطل أول قراراته بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية للأراضي الأمريكية.. كما دخل في مواجهة أخري مكشوفة مع الكونجرس ثم مع العديد من الصحف والقنوات التليفزيونية المؤثرة.
وإذا كانت العادة قد جرت علي أن يوصف الرئيس الأمريكي بالبطة العرجاء في المائة يوم الأخيرة من الفترة الثانية لحكمه إلا أن هذا الوصف انطبق علي ترامب في المائة يوم الأولي من حكمه.. وأصبح محاصراً ومهدداً بالخروج غير الآمن.. ولولا الضربة الصاروخية المفاجئة ضد قوات الأسد في سوريا رداً علي استخدامها السلاح الكيماوي ضد المعارضة المسلحة وإطلاق سراح المواطنة المصرية الأمريكية وعودتها من القاهرة لواشنطن لما وجد ترامب في جعبته ما يتفاخر به كرئيس لأكبر دولة في العالم.
ويتفق المؤيدون والخصوم علي أن ترامب لم ينجز بنداً مهماً من بنود برنامجه الرئاسي والشعارات التي طرحها أثناء حملته الانتخابية.. فقد تبين له أن الأمور السياسية أكثر تعقيداً مما يتصور رجل الأعمال الكامن بداخله.
وحدها زيارة الشرق الأوسط التي حققت له ما فاق تصوراته.. فقد سجل لأمريكا ـ ولأول مرة في التاريخ ـ تحالفاً استراتيجياً واقتصادياً مع ثلث دول العالم في ضربة واحدة وعلي الهواء مباشرة.. وهذه الكتلة الضخمة من الدول العربية والإسلامية ـ 55 دولة ـ هي من أكثر الدول التي هاجمها هو ورجاله.. وهي أيضاً أكثر الدول التي لها علاقات سلبية وعدائية مع أقرب وأقوي حلفائه.
أما علي الصعيد الاقتصادي فقد حصد ترامب صفقات مع السعودية وحدها بـ 460 مليار دولار.. وأعلن أن قطر ستعقد صفقات مشابهة بمبالغ طائلة.. وهناك كلام كثير علي مواقع الإنترنت عن الهدايا العينية ـ الذهبية والفضية ـ التي حصل عليها ترامب وأفراد أسرته بصفة شخصية من الملك سلمان وكبار المسئولين السعوديين لكنه كلام غير موثوق.. كما وعدت السعودية والإمارات بتقديم منحة قيمتها 100 مليون دولار لصندوق أسست إيفانكا ابنة ترامب خاص بالنساء اللواتي يمتلكن مشروعات أو يرغبن في إقامة مشروعات فيما نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن إيفانكا وزوجها اليهودي قدما تبرعات مالية سخية لجمعية إسرائيلية تدعو إلي تدمير المسجد الأقصي.
والسؤال الآن: ماذا قدم ترامب للعرب والمسلمين مقابل هذه الصفقات والهدايا؟
المؤكد أنه لم يقدم شيئاً.. بل كان فظاً غليظاً وهو يؤكد أنه لن يقدم شيئاً.. حتي فيما يتعلق بالتحالف ضد الإرهاب وضد إيران كان واضحاً في أن علي شعوب المنطقة أن تحل مشاكلها وتحارب معاركها وأن واشنطن لن تنوب عنهم في ذلك.. وقد وصف الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك خطاب ترامب أمام قمة الرياض بأنه مزيف ومليء بالنفاق.. ويكفي أنه مرر علي مستمعيه اتهام حركات التحرر ـ حماس وحزب الله ـ بالإرهاب رغم أن الأولي حررت غزة من الاحتلال الإسرائيلي والثانية حررت الجنوب اللبناني ولولا سلاحهما ما تحررت المنطقتان.. فإسرائيل لا تتبرع بالرحيل عن شبر احتلته إلا بقوة السلاح.
لم يتحدث ترامب في القمة عن القضية الفلسطينية التي يعتبرها العرب والمسلمون قضيتهم الأولي والمحورية.. ولم يتحدث عن القدس المحتلة والمسجد الأقصي المهدد ولم يتحدث عن إسرائيل.. بل لم يتحدث عن داعش.. وإنما تحدث عن إيران وجعلها وحدها العدو لكل من حضر في إشارة لا يخفي مغزاها.
البعض ذكر أن المقابل الذي قدمه ترامب للحفاوة التي قوبل بها ينحصر في نقطتين: الأولي أنه اكتفي بما حصل عليه فغير من لهجته ونقده وسخريته ضد الإسلام والعرب والمسلمين والسعودية تحديداً وعدم مطالبته بالحصول علي أموال مقابل الحماية.. والثانية الوعد المعلن بعدم الإلحاح علي احترام حقوق الإنسان وتطبيق قواعد الديمقراطية كما كان يفعل الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون من قبله.. وهذا يكفي.
المهم أن ترامب لديه الآن ما يفاخر به.. وما يذكر الأمريكيين بأنه صار رئيساً.