الأهرام
عبد الرحمن سعد
الجنة تنتظرنا
من أعظم الفضائل التي يتسم بها رمضان الكريم، أنه شهر تتهيأ فيه الجنة للمشمَّرين، وتكون أقرب للفوز بها، من خلال الأعمال الصالحة.. فيا له من نعيم ينتظر الفائزين به، في هذا الشهر الكريم. عَن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ".(رواه البخاري ومسلم".
و"إنما تُفَتَّحُ أبواب الجنة" في هذا الشهر؛ نظرا لكثرة ما فيه من أعمال صالحة، وما يفتحه الله لعباده فيه من الطاعات، ترغيبا لهم، وإعانة لهم على تجنب المعاصي، عبر تقييد الشياطين أيضا، وتصفيدها، فلا تخلص لما كانت تخلص إليه في غيره، وذلك مع كثرة الطاعات من صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وذكرٍ وصلة رحم وقراءةٍ للقرآن وأعمال نافعة، ونحو ذلك.

وقيل: " فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّة".. فلم يُغلق منها باب في الشهر كله، بل تتنزل الرحمة.

وقيل إن المراد بالشياطين التى تُصفد، وتُشد بالأغلال؛ هم المردة والجبابرة منهم، وهم أشد الشياطين عداوة للبشر، أو أن الشياطين تُغَلُّ كلها، أي: يضعف نشاطها.

والحديث محمولٌ على حقيقته وظاهره، فالجنَّة تُفتَح حقيقةً، وتُغلَّق أبواب النار، وتُسَلْسَل الشياطين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَنْبَعِثُ الْقُلُوبَ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي بِهَا وَبِسَبَبِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُمْتَنَعُ مِنْ الشُّرُورِ الَّتِي بِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ النَّارِ، وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يَعْمَلُونَهُ فِي الْإِفْطَارِ ؛ فَإِنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمُقَيَّدُ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ بِسَبَبِ الشَّهَوَاتِ؛ فَإِذَا كَفُّوا عَنْ الشَّهَوَاتِ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ".

وعلق ابن عثيمين أيضا فقال: "هَذَا مِنْ مَعُونةِ الله للمسلمين، أنْ حَبَسَ عنهم عَدُوَّهُمْ الَّذِي يَدْعو حزْبَه ليكونوا مِنْ أصحاب السَّعير".

والأمر هكذا، لعل شهر رمضان يشهد مسارعة منا إلى مغفرةٍ من ربنا، وجنةٍ عرضُها كعرضِ السماءِ والأرض. قال تعالى فيها: "مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ". (الرعد:35).

وقال تعالى: "فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ".(السجدة: 17). وقال: "لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". (يونس:26).

فالْحُسنَى هي الجنةُ لأنَّهُ لا دارَ أحسنُ منها، والزيادةُ هي النظرُ إلى وجهِ الله الكريمِ. والآياتُ في وصفِ الجنةِ ونعيمها وسرورها كثيرةٌ جداً.

وفي الصحيحين عن أبي هريرةَ، رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: " قال الله عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لعبادي الصالحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلب بَشَر. وأقْرَؤوا إن شئتُم: "فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". (السجدة: 17).

في الحديث أيضا، عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: "إذا دخل أهل الجنةِ الجنة ينادِي منادٍ: إن لكمْ أنّ تَصِحُّوا فلا تَسْقموا أبداً، وإن لكم أن تَحْيَوْا فلا تموتوا أبداً، وإنَّ لكم أن تشِبُّوا فلا تَهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وذلك قولُ الله عز وجل: "وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ".(الأعراف:43).

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: "قُلْنَا: يا رسولَ الله حدِّثنَا عن الجنةِ ما بناؤُهَا؟ قال: "لَبِنَةٌ ذهبٍ ولبنةٌ فضةٍ، ومِلاَطُها المسكُ، وحَصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وترابَها الزَعفرانُ، مَنْ يدخلُها ينعمُ ولا يبأسُ، ويخلُدُ ولا يموتُ، لا تَبْلَى ثيابه، ولا يَفْنى شبابُه".(رواه أحمد والترمذي).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف