جلال دويدار
استعادة الدولة لأراضيها إعلاء.. للهيبة والوجود
ليس هناك ما يمكن أن يقال تعليقاً علي حماس وحسم الرئيس السيسي لملف استعادة أراضي الدولة المنهوبة.. سوي إننا معه قلباً وقالباً مؤكدين بالصوت العالي.. كفي عدوانا علي الدولة وهيبتها. لم يكن من نتيجة للسكوت علي هذا السلوك العصابي سوي العمل علي إفقار هذه الدولة لصالح مافيا التربح الانتهازي برعاية الفاسدين ومعدومي الضمير من العاملين في هذه الدولة.
اقدام الدولة بفاعلية وجدية علي متابعة مصير أملاكها المنهوبة المتمثلة في أراض تقدر بالملايين من الأفدنة هو بكل المقاييس تحرك طال انتظاره لاستعادة حقوق الشعب المطحون. هذه الخطوة تشير إلي عودة الهيبة الضائعة.. عن عمد وسوء نية أو نتيجة للفوضي والفساد والتسيب الذي ابتلينا به. الاستيلاء علي هذه الأراضي والتصرف فيها بالمتاجرة والاستغلال الفاضح كان وراء ظهور طبقة المليونيرات والمليارديرات وما خفي كان أعظم.
الدستور الذي اعتمدته هذه المافيا لممارسة نشاطها مدعومة من نزعات الفساد الفاجر يقوم علي مبدأ أساسي هو »اخطف واجري». المكاسب الهائلة التي تحققت من وراء تحويل هذه الأراضي لغير الغرض الذي خصصت من أجله وعرضها للبيع بعد سرقتها من الدولة.. هو ما أدي إلي تجاوزات أسعار العقارات.
كانت اغراءات التصاعد في التربحات الخيالية السهلة دافعا إلي جنوح بعض قطاعات الانتهازية في المجتمع إلي الاستثمار العقاري والتخلي كلياً عن الاستثمار في مشروعات التصنيع والانتاج. هذا الأمر ساهم في الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر كمحصلة طبيعية لغياب التوازن الاستثماري.
هذا الوضع دفعني قبل ما يزيد علي خمسة عشر عاماً مضت إلي قيامي بتبني حملة علي صفحات »الأخبار» للتحذير ولفت النظرإليالخطورة التي اصبحت تمثلها »مافيا» الأراضي.
كان أحد محاور هذه القيم الفاسدة العودة إلي نظام »خلع» الاقطاعيات علي عدد محدود من رجال الأعمال المحظوظين.. بحجة إقامة مشروعات عليها أو إعدادها وتجهيزها لتنفيذ مشروعات لغيرهم.. الذي حدث أنهم اخذوا هذه الأراضي التي تقدر بآلاف الأفدنة وملايين الأمتار دون أي تطوير اعتماداً علي قيامهم بالمتاجرة فيها وجني الفروق بين الاسعار الرمزية التي دفعوها للدولة وأسعار البيع. التصرفات في هذه الأرض تمت وكانت تتم تحت نظر الجهات المسئولة رغم ان بعضهم لم يكن قد سدد باقي قيمتها المتدنية للدولة.
كل هذا تم في إطار التواطؤ مع أعضاء هذه »المافيا» التي توحشت وأثرت ثراءا فاحشاً وبين الفاسدين بالدولة. المسئولون بهذه الدولة لم يكتفوا باعطائهم هذه الأرضي وانما تعمدوا أيضاً عدم المطالبة بدفع اقساط قيمتها. يضاف إلي ذلك تحول غالبية الأراضي التي تم التصرف فيها للزراعة إلي منتجعات حققوا من ورائها مئات الملايين بل المليارات من الجنيهات.. أدي ذلك إلي الاخلال بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي جعلتنا دولة مستهلكة تخاصم الانتاج في كل شيء.
لا اعتراض علي جهود واستثمارات تعميرالأراضي خاصة الصحراوية ولكن لا يمكن ان يكون ذلك من خلال نهب الدولة وحقوق الشعب لصالح فئة معينة. للعدالة فإنه لا يمكن اسقاط الجهود التي بذلتها وتبذلها اللجنة التي اسندت مسئوليتها إلي المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية لاستعادة تلك الأراضي المنهوبة. إن ما حققته هذه اللجنة ورئيسها لابد وأن تحظي بكل التقدير والاشادة من الشعب والدولة.
لم يكن تطرق السيسي لهذه القضية خلال زيارته الأخيرة للصعيد سوي دعوة لشحذ الهمم نحو مزيد من الانجاز في هذا الملف وفق جدول زمني تم تحديده بشهر للاجهزة المسئولة. هذا التأكيد استهدف التحذير من تقاعس البعض عن القيام بواجباته ومسئولياته تجاه هذا الملف خاصة أجهزة الحكم المحلي.
المؤكد أن استكمال هذه الجهود وتكاملها هو مؤشر لعودة الدولة إلي مباشرة مسئولياتها في الحفاظ علي حقوقها التي هي حقوق الشعب.