الجمهورية
شكرى القاضى
ليس دفاعًا عن قائد عظيم 2 ـ 2
التاريخ ليس وجهة نظر تختلف من شخص لآخر حول موضوع ما. لكنه الحقيقة المطلقة المؤسسة علي الموضوعية والحياد. ولذا فمن الخطورة بمكان أن يتعرض شخص ما للعبث في الثوابت التاريخية. وكما ذكرت في مقالي السابق. فأنا لا أميل إلي من يطالبون باغتيال الدكتور يوسف زيدان ـ معنويًا ـ علي خلفية تصريحاته الغريبة منذ بزوغ الألفية الثالثة. سواء تلك المتعلقة بالتشكيك في الثوابت التاريخية. أو سابقاتها المتعلقة بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة. فالرجل بالقطع ليس مجنونا. ولكنه في حالة انعدام وزن ربما يعود بعدها إلي رشده. وربما تدفعه الرياح إلي هوة سحيقة. هذه واحدة. والثانية وهي الأهم أن العباقرة وفي مقدمتهم القادة العسكريون لا يخضعون للمقاييس البشرية العادية. فالذين يدافعون عن الأرض والعرض والعقيدة ـ من أمثال صلاح الدين الأيوبي ـ حباهم الله تعالي بقدرات غير عادية تعظيما لمكانتهم في الدنيا والآخرة. ومن ثم لا يمكن القياس عليهم بمقاييس عوام البشر أمثال الدكتور زيدان وغيره من المغرضين..!
تأتي تلك التصريحات الصادمة علي لسان الدكتور يوسف زيدان في أعقاب تصريحات لوكيل وزارة الأوقاف السابق الشيخ سالم عبدالجليل بشأن فساد شريعة النصاري. الأمر الذي أثار حفيظة الإخوة المسيحيين. وهم أيضا يقولون بفساد الشريعة الإسلامية. ولذا فإن التمادي في تناول هذه التصريحات وتلك في وسائل الإعلام المختلفة يصب في مصلحة سيناريو خبيث لاحداث الفتنة بين عنصري الأمة. الأمر الذي يتنافي مع نصوص قوانين الإعلام والصحافة. لأن مثل هذه التصريحات غير المسئولة تستهدف الأمن القومي المصري.
ودعونا نتوقف أمام أحداث يوم خالد في تاريخ العرب والإسلام ارتفعت خلاله رايات الحق إلي عنان السماء. ففي يوم السبت الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 583هـ المقابل لليوم الثالث من يوليو عام 1187 في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي. دارت معركة حطين التاريخية بالقرب من بحيرة طبرية شمال فلسطين المحتلة. بين جيوش الصليبيين المكونة من ثلاثة وستين ألف مقاتل. وجيش المسلمين من اثني عشر ألفا فقط بقيادة الناصر صلاح الدين.. كان القائد العبقري العربي قد سبق جيوش الصليبيين إلي ميدان المعركة وتمركز بجيشه في المنطقة العالية من حطين. بينما كانت جيوش الفرنجة المحملة بالتجهيزات الحربية الثقيلة والعتاد الضخم في طريقها إلي حطين. وفور وصولهم كان العطش قد أخذ منهم ما أخذ في ظل اشتداد حرارة صيف يوليو. فاستعاضوا عن الماء بشرب الخمر. فإذا بهم تحت تأثير الخمر يندفعون كالثيران الهائجة اتجاه جيش المسلمين ويحققون الانتصار تلو الآخر حتي انتصف النهار. ولكن عبقرية القائد الواثق من نصر الله من ناحية وشدة بأس جنوده من ناحية أخري. كانت وراء استدراجهم والانقضاض عليهم بعد أن لعبت الخمر برءوسهم فانقض عليهم جيش المسلمين ومزقوا صفوفهم فإذا بحشودهم الجبارة قد تحولت إلي أشباح متناثرة انتابها الذعر. فمن لم يمت بالسيف مات من الرعب بعد قتل قادتهم وأسر من لم يقتل منهم.
- وتكمن أهمية تلك المعركة الفاصلة في التاريخ الإسلامي أنها أنقذت المسلمين من السقوط في براثن الاحتلال الصليبي والتنكيل بهم ربما لعشرات القرون أو حتي تقوم الساعة..!
** آخر الكلام :
أشد ساعات الظلمة تلك التي تسبق الفجر. هكذا يمكن تلخيص مسيرة الناصر صلاح الدين الأيوبي فقد أعلن الجهاد في سبيل الله ووهب حياته للإسلام فإذا به يعد جيشه علي مدار عشر سنوات لمواجهة الصليبيين مجددا بعد أن فشل في التصدي لهم بناء علي تكليفات السلطان نور الدين محمود عندما أغاروا علي ضواحي دمشق عام 573هـ حيث شرع في إعداد الجيوش والعتاد لمواجهتهم بعد أن نجح في تكوين دولة قوية موحدة تضم مصر وسوريا والحجاز وتهامة والعراق تلك الدولة العربية التي أحاطت بمملكة بيت المقدس وبقية الإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب حتي حان يوم حطين وتم طرد الصليبيين من بلاد المسلمين في الوقت الذي ذاع فيه أمر صلاح الدين كمحارب شجاع وانسان نبيل. كريم الخلق. أبي النفس. هذا ما أكده المؤرخ والفيلسوف الأمريكي وول ديورانت في كتابه الأشهر "قصة الحضارة" بقوله: إن المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي الخاطئ في أذهانهم رجلا يصل إلي هذا الحد من النبل والشهامة.
رحمك الله يا صلاح الدين. فقد جاد بك الزمان حين شح الزمان بالرجال بينما جُدت - بضم الجيم - أنت علي الزمان. حين شح الرجال بالأعمال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف