الأهرام
نيفين مسعد
دونالد ترامب وأسلحته الجميلة
على هامش القمة الإسلامية ـ الأمريكية فى الرياض التقى دونالد ترامب بحاكم قطر، وبين الموضوعات التى شملتها مباحثات الطرفين ذكر ترامب شراء دولة قطر الكثير من المعدات العسكرية الجميلة لأنه ما من أحد يصنعها مثل الولايات المتحدة. وفِى تعليق المذيع الأمريكى برايان ويليامز على القصف الأمريكى لقاعدة الشعيرات السورية فى شهر إبريل الماضى راح يتغنى بالأسلحة الأمريكية قائلا «أنا معجب بجمال أسلحتنا». وبالتأكيد من حق الرئيس الأمريكى أن يفخر بأن دولته هى الأقوى عسكريا على مستوى العالم، ومن حق المذيع الأمريكى أيضا أن يفخر بالتفوق العسكرى لبلاده ، لكن إطلاق وصف جميلة على أى أسلحة وإن تكن متقدمة كالأسلحة الأمريكية ينطوى على تناقض داخلى لاشك فيه، فلقد سمعنا عن الأسلحة الفتاكة والأسلحة النووية والأسلحة الكيميائية ... إلخ لكننا لم نسمع عن الأسلحة الجميلة، فكل سلاح يفضى بالضرورة للقتل والتدمير، والسلاح هو آخر الخيارات السيئة التى تلجأ إليها الدول، هذا فى العموم . أما فى الخصوص فإن هذه المنطقة من العالم ذاقت من ويلات الأسلحة الأمريكية الشيء الكثير، ويكفى أن نتوقف خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية أمام التنكيل بالعراق مرتين ، أولاهما عندما لم تكتف الولايات المتحدة فى 1991 بإخراج القوات العراقية من الكويت، بل أعادت العراق إلى ما قبل الثورة الصناعية ، والثانية بغزوه فى 2003 وتفكيكه مجتمعا ودولة ، كما يكفى أن نذكر العدوان الإسرائيلى على لبنان فى صيف 2006 وحملات الرصاص المصبوب وعمود السحاب والجرف الصامد على غزة أعوام 2008 و 2012 و 2014 لتكون الأسلحة الأمريكية / الإسرائيلية مرادفة للقبح كله .

أخذنا علما بأن قيمة المشتريات السعودية من الأسلحة الأمريكية بلغت 110 مليارات دولار ، وهذا رقم بالغ الضخامة يلزمه أعداء كبار ومن هنا أتت إيران وقوى الإرهاب على رأس قائمة الأعداء، وهكذا فإن مصطلح محور الشر الذى صكه جورج بوش الابن فى مطلع هذه الألفية فى إشارة لإيران والعراق وكوريا الشمالية مازال صالحا للتوظيف بعد تعديل بسيط على أضلاعه يتمثل فى حلول الإرهاب محل العراق ، مع ملاحظة أنه يتم الربط بين إيران والإرهاب، وذلك أن إيران على حد تعبير ترامب توفر للإرهابيين الملاذ الآمن والتمويل والتدريب ، وهذا يعنى أن فى إضعاف إيران إضعافا لتلك الجماعات أيضا ، ولقد حفل خطاب دونالد ترامب أمام القمة الخليجية بتأكيد أن الحرب على الإرهاب هى الحرب بين الخير والشر ، وأن على قوى الخير أن تتحد وتُظهِر عزمها على تحمل مسئوليتها فى اجتثاث قوى الشر وإلا فإن الله سوف يحاسبها وليس فقط الشعب أو التاريخ .

ولا شك أن إيران لها مشروعها الإقليمى التوسعى الذى ترتبت عليه تداعيات بالغة السلبية على عدد كبير من الدول العربية ، غير أن التضخيم الكبير لخطرها يجعل ترامب يضرب عصفورين بحجر واحد: تشغيل الآلة العسكرية الأمريكية، وتحويل دفة النقاش الداخلى من العلاقة مع روسيا إلى العلاقة مع إيران . ولا ننسى أن التيار المعادى بقوة لإيران له شعبيته فى داخل الولايات المتحدة لاسيما بين الجمهوريين ، وللتعرف على كيفية تفكير هذا التيار يمكن الرجوع لمقال فى جريدة «نيويورك تايمز» فى 19 مايو الحالى عن عقيدة ترامب للشرق الأوسط كتبه مايكل دوران العضو البارز فى مجلس الأمن القومى فى فترة بوش الابن ، وفيه يُرْجِع الكاتب كل مشكلات المنطقة إلى خطأ الرؤساء الأمريكيين فى التعامل مع إيران ، فبوش الابن ترك إيران وركز على نشر الديمقراطية، مما سمح لإيران بأن تدخل العراق خلسة (وهذا طبعا محض تضليل لأن إيران دخلت بعلم بوش وتشجيعه) ، وباراك أوباما تصور أن تسوية الملف النووى ستُحجم إيران فإذا بنفوذ إيران يكبر ويتمدد (والواقع أن سبب تمدد إيران يكمن فى تفجر صراعات المنطقة لا فى توقيع الاتفاق النووي). ومن هنا فلابد حسب مايكل دوران من التركيز على الخطر الإيرانى واستخدام القوة الأمريكية الخشنة لإحلال الاستقرار فى المنطقة، ثم يأتى بعد ذلك دور الترويج للديمقراطية (وأظن أن إيران لا ترى حاليا إلا التهديد بالقوة الخشنة إلا إذا كان المقصود ضربة عسكرية محدودة لاستعراض إمكانيات الأسلحة الأمريكية).

عموما فإن التصعيد مع إيران له هدف آخر هو إدماج إسرائيل فى المنطقة وتحقيق ما لم تقدر هذه الأخيرة على تحقيقه منذ قرابة أربعين عاما . هنا نقرأ فى البند الثانى من قمة الرياض أن هناك نية لتأسيس تحالف الشرق الأوسط الاستراتيچى والذى سيكون الهدف منه تحقيق السلم والأمن فى المنطقة والعالم ، ودع عنك أسئلة من نوع : ما كل هذه التحالفات التى تتساقط على المنطقة كما تتساقط مياه المطر؟ وما الفارق من حيث الهدف بين تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى وبين التحالف الإسلامى العسكرى الذى تأسس قبل سنتين ؟ ولماذا تحديد نطاق التحالف الجديد بالشرق الأوسط إذا كان قد انبثق عن اجتماع ينتمى نحو نصف حضوره لدول إفريقية وآسيوية لا تدخل فى إطار الشرق الأوسط؟ أقول دع عنك هذه الأسئلة فهناك سؤال أهم يتعلق بعلاقة التحالف المزمع تأسيسه بإسرائيل التى لا ترى خطرا أكبر من خطر إيران وحزب الله، وهى تود لو تعبر إلى المنطقة عبورا سلسا على جسر العداء مع إيران ، وبالفعل أعرب نتيانياهو صراحة عن تطلعه إلى اليوم الذى يستطيع فيه رئيس وزراء إسرائيل أن يسافر من تل أبيب إلى الرياض ، وإذا كانت كل الأنظار ستتجه صوب الخطر الإيرانى فهل يمكن أن نصدق أن ترامب يمكن أن يحدث اختراقا فى القضية الفلسطينية ؟.

أختم بالقول لو صدقنا أن أسلحة ترامب جميلة و أن الحرب تصنع السلام وأن منطقتنا تحتمل المزيد من الحرائق ، ولو صدقنا أن التحالفات العسكرية هى الحل وأن المذهب يمكن أن يكون أساسا للتحالف ، ولو صدقنا أن كل معاناة المنطقة منبعها إيران وحدها ونسينا إسرائيل لا بل ووقفنا معها فى معسكر واحد ، لو فعلنا ذلك لما كان علينا أن نندهش لو خرجت علينا صحيفة إسرائيلية- كما ذكر لنا دكتور خالد سعيد فى العدد الأخير من مجلة الأهرام العربى بدعوى أن بكاء ميلانيا زوجة ترامب أمام حائط البراق دليل على قدم الوجود الإسرائيلى فى القدس ، فلا يقابل هذه الخفة فى التعامل مع حقائق التاريخ إلا الخفة فى التعامل مع معطيات الحاضر والمستقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف