د . رفعت السعيد
د. على جمعة.. وخوارج العصر (2-5)
ونأتى إلى الجزء الثانى من الموسوعة الخماسية الاجزاء والتى أشرف فضيلة الاستاذ الدكتور على جمعة على اعدادها.. والجزء الثانى والمتعلق بملامح الغلو فى التعامل مع السنة النبوية.. كتبه الدكتور رشوان ابو زيد محمود استاذ مساعد بقسم الحديث وعلومه بكلية اصول الدين بجامعة الازهر. ونقرأ فى المقدمة «واذا كان العالم الاسلامى اليوم يعانى من ظاهرة التشدد الدينى فإن السبب الرئيسى لهذه الظاهرة يكمن فى خلل المنهج التعليمى الذى يصوغ عقلية المتلقى لعلوم الشريعة، فمناهجنا التعليمية تارة تبتعد كثيرا عن الدين، وتارة تقترب كثيرا من النصوص من غير منهجية، ولا مراعاة لقواعد التوثيق والفهم، فتنتج فهما ظاهريا سطحيا بعيدا كل البعد عن حقيقة مراد الشرع ومقصوده، ومن ثم كان التعليم الدينى فى الازهر الشريف ــ قلب الاسلام النابض- يعتمد على الوسطية وهى المعلم البارز للاسلام دين الوسطية والاعتدال ويعتمد على تدريس علوم الآلة التى يعتبر علم الحديث احد أهم علومها.
ويمضى الدكتور رشوان قائلا «وإذا كانت ظاهرة الغلو من الظواهر التى تحتاج إلى معالجة خاصة فإننى أحاول هنا رصد أهم ملامح التشدد فى التعامل مع السنة النبوية ومنها 1 - عدم التفرقة بين الظنى والقطعى من الروايات. 2- التردد فى قبول الحسن من الروايات . 3- التسوية بين الضعيف والموضوع 4- عدم التفرقة بين صحة الاسناد وصلاحية الحديث للعمل به فى الفقهيات. اما المحور الاول فهو يدخل إلى العقيدة ما ليس منها. وإلزام الناس بما ليس لازما ويصح فيه الخلاف مما يؤدى إلى انتشار ظاهرة التكفير، إما بسبب خلل فى الفهم أو بسبب خلل فى الدليل» ثم يقول فى ختام المقدمة «وثم مسألة شديدة الاهمية فى كشف الخلل العلمى عند التشدد ألا وهو ظن اكثرهم انه بمجرد صحة الاسناد يكون الحديث حجة ويجب العمل به وهذا غير صحيح، فالمقرر فى علوم الحديث أن الحديث أما محكم وهو الحديث الذى سلم من معارضة غيره له من الادلة الشرعية، وأما مشكل وهو الحديث الذى عارضه غيره من الأدلة، ومن ثم فلابد عند كل من شم رائحة العلم من جمع سائر الادلة الواردة فى هذا الباب والنظر فيما إذا كانت متفقة على تقرير المعنى الذى يقرره الحديث أو تخالفه.. وهى أمور دقيقة عميقة لا يقوم بها إلا جهابذة العلماء. وبعد أن يواصل المؤلف تفنيد اسلوب المتشددين والغلاة فى التعامل مع انواع الاحاديث ومنها احاديث الآحاد وهل يصح الاخذ بها، وهل يجوز التعويل على مدى صدقية صاحب الرواية. ويقول: ولكن الغلاة الذين كثير منهم من انصاف المتعلمين ممن يتصدرون للكلام فى السنة والفقه وهم يحرفون الكلم ولا يرى الواحد منهم الحق إلا فيما يقوله هو، فالحق يدور معه حيثما دار وليس هو الذى يتعين عليه أن يدور مع الحق حيثما دار» ويمضى الدكتور رشوان قائلا إن الفهم الصحيح لقول العلماء «إذا صح الحديث فهو مذهبي» يعنى أن الحديث الذى صح اسناده واستقام معناه على قواعد الشرع، ولم يوجد له معارض اقوى منه، وكان محققا لمقاصد الشريعة فى محل تطبيقه صحيح عندى وهو مذهبي» (ص310).
ثم يطالب المؤلف الازهر الشريف باعادة صياغة مناهجه الدراسية لتجعل علوم الحديث واصول الفقه معا مقررا اساسيا على كل مشتغل بالعمل الشرعى سواء كان تخصصه اللغة أو الحديث أو التفسير أو العقيدة أو الفقه أو التربية او الدعوة فهذان العلمان هما قلب العلوم الاسلامية.. ومن لا قلب له كيف يحيا؟» وربما لأن المؤلف يلاحظ التباطؤ فى ادخال تعديلات جادة على مناهج التعليم فى الازهر. وان ادخال ما يراه من تعديلات على المناهج الازهرية سوف يحتاج إلى وقت قد يطول وقد يقصر فإنه يتوجه إلى الباحثين «فى كل التخصصات الشرعية ان يتقوا الله فيما يكتبون، وأن يجتهدوا قدر امكانهم فى دراسة هذين العلمين دراسة هاضمة لهما متعمقة فى محتواهما فاهمة للمقصود منهما مهما كان التخصص الذى يدرسونه بعيدا عن مجال هذين العلمين» (ص311).. وبعد أن يعرب المؤلف عن امنياته- وهى مجرد امنيات لدراسة علوم الحديث واصول الفقه دراسة عقلانية متحررة، يقول ان هذه الدراسة هى التى تمكن من تقويم الاعوجاج والتقريب بين الافهام.. ومكننا من التخلص من عمليات الشغب ضد العلماء الحقيقيين ومحاولات التظاهر بالتعالم».. وإلى هنها فإننى استأذن المؤلف .. وأستأذن مولانا واستاذنا د. على جمعة فى أن اقترح العمل الجدى على تجديد الفقه. فأصول الفقه التى اشار إليها المؤلف د.رشوان ابوزيد وإلى ضرورة دراستها دراسة متعمقة مع علوم الحديث تحتاج إلى اعادة نظر وتحتاج إلى أن نعتقد اعتقادا قطعيا بأن الفقهاء الاربعة العظام قد قاموا بالتأويل والافتاء والتفسير وفق معارف زمانهم ووفق ما كان متاحا من علوم ومن عقل جمعى لجمهور المسلمين فى ذلك الزمان.. اى منذ اكثر من اربعة عشر قرنا وأن هناك ما تحدث عنه استاذنا د. على جمعة وأسماه «فقه الواقع» وأننا لا يمكننا أن نتجاهل ما مر على المسلمين من ازمنة نهوض وأزمنة تخلف وأن تغير الاوضاع وتغير مناخات الرأى العام فى هذا البلد أو ذاك، وأن اغماض الاعين عن منجزات العلوم والتكنولوجيا وعلوم الهندسة الوراثية وابداعات المخترعات المتسارعة لا يمكنه إلا أن يدفعنا من تخلف إلى تخلف. ويا مولانا وانت عندما كنت على رأس دار الافتاء اقتحمتها متسلحا بأحدث اساليب التخاطب مع العالم اجمع.. ولا يمكن أن يعمل احد المساهمين فى الافتاء على احدث الاجهزة وارقاها تكنولوجيا بينما يغلف عقله بغلاف عميق من افكار علاها الصدأ من فرط ما مضى عليها من ازمنة، ولست بحاجة إلى ان استعيد اقوالا للفقهاء الاربعة العظام وغيرهم من العلماء الاجلاء قالوا فيها بأنهم يعتقدون أن كلامهم صواب يحتمل الخطأ وكلام مخالفيهم خطأ يحتمل الصواب.
أليس كذلك يا اساتذتنا الكبار. واستأذنكم فى أن نواصل.