الأهرام
محمد الرميحى
إيران محاولة للفهم
عندما تقوم الطائرة من الكويت متجه الى اوروبا فى الغالب لا تأخذ اكثر من عشرين دقيقة لتكون فى الاجواء الايرانية ،وهى كذلك عندما تقلع من أى عاصمة خليجية أخري، وعند استعراض كثير من أسماء العائلات فى الخليج، سوف تجد كثيرين من التجار ومتوسطى الحالى والاكاديميين. الموظفين اصولهم من ذلك الجزء من العالم، كيف هى إذن ايران قريبة من الخليج جغرافيا، وكيف هى ايران بعيدة عنه سياسيا، وغير متمكنة من فهم ديناميكيات شعوبه وطموحاتهم. مما خلف حتى الان التوتر المرضى بين الضفتين، وايضا العداء المستحكم بين سياسات تراها ايران ضرورة لتصدير الثورة، وترها دول الخليج معاول لهدم الأوطان؟ مما اضر ضررا بالغا بكل من الموارد لكلا الطرفين،. فوت فرص التنمية لدى الجانبين. لا اعتقد ان النخبة العربية او بعضها الكثير للدقة، لها موقف سلبى من المذهب الشيعي، كأحد مذاهب الاسلام، كما لا اعتقد ان النخبة الإيرانية او بعضها الكثير على الأقل لها موقف من المذهب السني، وان كنت لا ابرئ الكثير فى المكانين لأسباب تاريخية وسياسية فى المتاجرة فى هذا الملف. ولكنى أرى ان الموقف الذى يفرز ذلك التنافر هو سياسى بامتياز ،فهناك شعور عارم بين دول الخليج ودول عربية أخرى بان التدخل الإيرانى فى عدد من الدول العربية هو الذى سمم العلاقات ولا يزال،وقد وجدنا صدى ذلك فى خطاب السيد رئيس الجمهورية المصرى عبد الفتاح السيسى العميق فى القمة العربية الإسلامية الامريكية التى عقدت فى الاسبوع الماضى فى الرياض، قال فقرتين كاشفتين الأولي(نرفض كل تدخل فى الشئون الداخلية العربية) كما أشار الى أحد اهم أسباب الإرهاب (تفكيك مؤسسات الدولة الوطنية يخلق بيئة صالحة للإرهاب) . لذلك لو توافرت النية مع الشجاعة من جانب الاخوة فى إيران، لجنبنا أنفسنا والإيرانيين عبء هذا الشقاق الهائل الذى يستهلك قوى نحن العرب والشعوب الايرانية فى امس الحاجة اليها. ولكن كيف يمكن ان نفهم هذا الخلاف المستحكم؟ ارى ان الخلاف هو فى بنية الثورة الإيرانية وعقيدتها التى ترى او يرى كثيرون فى قياداتها ان لديهم مهام رسولية فى إشاعة الثورة،. انصاف المستضعفين !، ليس فى يران فحسب ولكن على مساحة الكون، وخاصة فى البلاد المسلمة وخصوصا العربية. الى درجة ان التوسع الإقليمى للدولة الايرانية اصبح حاجة إيرانية داخلية !. وصول بعض قوى الإسلام السياسى الى السلطة، خاصة فى مصر. من ثم تونس، بل استطاعت طهران ان تحيى طرفا ثار عليه اليمنيون فى عام، 1961. هو الامامة ،كى تريح نفسها من جديد بان مشروعها يتمدد، ومع وصول مناصرين لها فى العراق، تمت القناعة الكاملة ان المشروع ليس فقط يتوسع، لكنه ايضا صحيح. تلك قراءة غير دقيقة للمشهد من الجانب الايراني، سرعان ما واجهنا نقيضها وبسرعة، فقد ثار المصريون ضد نمط كهنوتى من الحكم، وكتبوا دستورا حديثا وشرعوا فى بناء دولتهم المدنية التى تقر اليوم الكثير من الدراسات، ان المشروع المصرى فى طريقه الى النجاح، كما فك ارتباط المجموعة (الدينية - السياسية) فى تونس عن المساق السياسى ،وتبدلت الشراكة الى وداع سلمى بين الدعوة والسياسة، فقامت النهضة بفكك ارتباطها بجماعة الاخوان، لان الاخيرة على النمط الايرانى فى الدوجماتية المتشددة، وسار على الدرب نفسه الجماعة الاسلامية المسيسة فى الأردن، واخيرا حماس التى اعلنت فك ذلك الارتباط، كانت المشكلة خلل (ارتباط الدينى بالسياسي) قد ظهرت مبكرا فى عام 1990، حين وجد (الاخوان) فى الكويت ان رفاقهم لا يعبأوا بمصير وطنهم المحتل(الكويت) بقدر ما يعبأوا بالثورة العالمية (ومشروع الخلافة) الى درجة تبرير الاحتلال العراقى للكويت، مما دعى المجموعة الكويتية النشطة فى حركة الاسلام السياسى الى فك ارتباطها بالتنظيم الدولى ،حيث اشمأز الكويتيون عن بكرة ابيهم، من موقف التنظيم ذلك.

يوصلنا التحليل ان العقيدة العابرة للأوطان فى زماننا لم تعد مقبولة او مهضومة فى اطار تطور الدولة الوطنية الحديثة. وبالعودة الى المشروع الايرانى فهو ايضا عابر للدولة، مع شيء من التناقض، هو عابر للدولة العربية، لكنه متمسك بالدولة الإيرانية! ذلك العبور وجد نجاحا مؤقتا فى بعض البلاد العربية التى ابتليت بمظاهر الدولة الهشة، مثل لبنان واخيرا العراق، غطى المشروع فى لبنان بستار كثيف من (الممانعة. والانتهازية السياسية، كمثل الوقوف ضد اسرائيل،. لكن لم يستمر ذلك الستار يقنع الشارع اللبنانى خاصة بعد تدخل حزب الله، بإيعاز من طهران فى سوريا، التى يناضل شعبها لإقامة دولة وطنية مستقلة وعادلة. لم يعد المشروع الإيرانى مقنعا للكثيرين حتى فى العراق، لانه مشروع يجد العقبات الكبيرة على ارضه، من فشل اقتصادى ونقص فادح فى الحريات. ولعل الصراع الواضح او الخفى بين جماعات (تصدير الثورة). (زحف الفقراء)، مغطى بلغة دينية بسيطة ،ووعد بالخلاص الإلهي، وبين من يرى بناء الدولة الحديثة، والانخراط فى الساحة العالمية ومعدول الجوار ،هو الطريق الأفضل والاسلم لبقاء النظام مع تطويره. القطبة المخفية هنا مدى استعداد النظام لإرخاء القبضة الامنية ،وترك التفاعلات المجتمعية والسياسية فى ايران تأخذ أبعادها الطبيعية، ذلك سهل يقال، ولكن صعب تحقيقه. المعادلة فى إيران اليوم هى هل تتحول الى دولة تسير فى ركاب دول العالم، ان فعلت ذلك فان اول ما يتوجب عليها هو هجر فكرتها فى تصدير الثورة ،التى أثبتت اليوم انها غير فعالة، كما كانت ترغب، وهى التوسع فى الجوار، وفرض المشروع على الجميع، بشيء من القراءة المتعقلة يمكن لطهران ان تعرف ان ليس هناك بيئة صالحة لأفكارها فى العديد من الدول المجاورة، كما ان تلك القراءة يمكن ان تقودها الى تبين الاستنزاف الاقتصادى والتكلفة السياسية التى يستهلكها المشروع من الموارد الإيرانية، وهى شحيحة، لأنها موارد مهدرة، كما ان التناقض بين شعارات الدفاع عن المستضعفين فى لبنان، ومناصر المستكبرين فى سوريا، بدماء المستضعفين. و مع الانقلابيين ضد الشرعية فى اليمن، هى اذا برجماتية، وما دامت كذلك، فلماذا لا تقدم العمل السياسى على الفوضي، لحفظ كيانها من جهة ،والوصول الى الاستقرار من جهة احري، ذلك تساؤل برسم الرئيس الجديد، ولو انى غير متفائل !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف