لو أردنا أن نبني مستقبلا فلابد أن نتعرف علي انفسنا من خلال ما استقر لدينا من أفكار ومن خلال ماسطره الآخرون عنا .. ومن مجلدات وصف مصر أنتقي بعضا من آراء علماء الحملة الفرنسية في المجتمع المصري قبل اكثر من مئتي عام من الان .. ومااشبه اليوم بالبارحه .. وفي فصل العادات والتقاليد كتب علماء الحملة الفرنسية " كل ما كتبه الرحالة القدماء الموثوق بهم عن العرب ( المصريون ) مايزال علي حاله حتى اليوم ولو انهم عادوا الي الحياة اليوم ليخوضوا في نفس الأمر لوجدوا أنهم لاينبغي عليهم أن يغيروا اليوم شيئا مما قالوه في ذلك الماضي البعيد ، وإلي أن يحين ذلك الوقت الذي تتفجر فيه ثوره يبدو انها ماتزال شديدة البعد فلسوف تظل عادات الشرقيين ( المصريين ) الأسريه هي هي . "
وعن المرأة المصرية قبل مئتي عام يقول علماء الحملة " إن المجتمع الذي تستعبد فيه نساؤه لايقدم مطلقا هذا المزيج من الرقة واللياقه اللتين تميزان الأمم الأوروبية علي وجه الخصوص ، وحيث أننا لانحس بأثر النساء علي العادات والتقاليد في مصر ، فمن الممكن أن نتفهم بسهوله لماذا تتميز التقاليد في مصر بوجه عام بهذه الغلظة الهمجيه التي هي بالتأكيد من تقاليد العرب الغزاة . " وعن الرجال وخاصة أبناء الطبقة الميسوره كتب علماء الحملة الفرنسية " تتوزع حياة المصري من أبناء الطبقة الميسوره مابين الصلاة والحمام والملذات الحسيه والكسل وتدخين الغليون وشرب القهوة ، وقد يجوز لنا أن نقول بأن الشعب كله يقضي جل وقته في التدخين ، ولايستخدم الأغنياء إلا تبغ اللازقية ( مدينه علي الساحل السوري ) الذي تستهلك منه كميات كبيره في مصر . أما الفقراء فيقنعون بالتبغ المحلي الذي لايمتاز بنفس المذاق اللذيذ الذي لتبغ اللازقية لكن سعره مناسب . وتشرب القهوه في فناجين جد قصيره وبدون سكر ، وهناك بعض من الناس يشرب مايزيد علي العشرين فنجانا من القهوة في اليوم الواحد .."
وعن المخدرات في حياة المصريين قبل أكثر من مئتي عام كتب علماء الحملة " يصنع أبناء الطبقة الشعبية من خلاصة نوع من القنب - الذي يسمونه الحشيش - مستحضرا مخدرا ، يتعاطونه بلذة شديده ويؤدي هذا المستحضر الي السكر أو بالأحرى غلي إحداث نوع من الخدر الجسماني والروحي يجعل البؤساء يحصلون علي هدنة من آلامهم ومضايقاتهم . أما الأغنياء فيبحثون عن هذا الخدر عن طريق خلاصة أو عصارة الخشخاش المطبوخ ، ومن خاصية هذا المشروب أنه يسبب نوع من الأسي العميق ويصبح الجسم والعقل بعد تناوله أكثر تهالكا عما كانا من قبل .."
تلك مقتطفات من كتاب وصف مصر الجزء الأول والذي ترجمه الأستاذ زهير الشايب ( ص 17 ، 18 ) والحقيقة انه قد راق لي أن اختار موضوعات من كتاب وصف مصر ترينا كيف كنا قبل قرنين عند قدوم الحملة الفرنسية ، وماذا تغير بحياتنا بعد قرنين ويزيد من تاريخ الحمله .. ربما يكون من دواعي الأسي أن هناك جوانب كثيرة في حياتنا لم تتغير ولم يتحرك الساكن وكأننا نعيش ماساة قدرية عجزنا عن تغيير أفكارها وابطالها - فبقيت الأفكار علي قدمها والأبطال علي عجزهم ..