الأهرام
حسن ابو طالب
قدر مصر أن تهزم الإرهاب
الدول كالأفراد أقدار ومصائر، وقدر مصر أن تواجه آفة الإرهاب نيابة عن العالم كله، وقدر المصريين أن يسقط منهم الضحايا الأبرياء بين الحين والآخر، وأن يظل جيشهم دائم الاستعداد للدفاع عن الوطن بناسه ومقدراته، وتظل شرطتهم واقعة ضغط المواجهة، ومؤسساتها مستهدفة بغية إفشالها ومن ثم إسقاطها.

مصر هى الجائزة الكبرى للتنظيمات الإرهابية سواء وصفت بالإخوان أو داعش أو القاعدة أو أى اسم آخر، فالكل مُجمع على قيمة مصر وقدرها، وصمودها طوال السنوات العشرين الماضية وخاصة السنوات الخمس الماضية فى مواجهة جماعات وتنظيمات العنف والتطرف والإرهاب والفوضى يُعد بمثابة خيبة الأمل الكبرى لتلك الجماعات البغيضة، وهو الصمود المستهدف الآن أكثر من أى شىء مضي. فالفشل لاحق هذه الموجة الإرهابية فى سوريا والعراق وأجزاء من ليبيا واليمن رغم الخراب والتدمير الذى ألحقوه بهذ الدول. وكان سقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية بعد عام واحد فى مصر هو الضربة القاصمة لمشروع الفوضى الخلاقة فى الشرق الاوسط.

لكن الأمر لم ينته بعد، فالحرب ضد الإرهاب ذات مستويات مختلفة، وفى المرحلة الراهنة حيث تتورط دول تتبنى تلك الجماعات الإرهابية وتقدم لها الملاذ الآمن وأبواق الدعاية السوداء، يجعلها حربا شرسة وخطيرة، فضلا عن كونها حربا طويلة بالمعنى الزمني، وكثيرة الضحايا من الأبرياء. ولكن يظل الأمر الحاسم فى احتواء وهزيمة كل هذه الموجات الإرهابية المتلاحقة، مُعلق بعنصرين رئيسيين؛ الأول هو تماسك المجتمع بكل فئاته وطبقاته والتفافه حول وطنه، والثانى يقظة المؤسسات وقدرتها على وضع الاستراتيجيات الملائمة التى تتناسب مع تطور الظاهرة الإرهابية بمعناها الشامل.

العنصران السابقان مرتبطان معا وهما وصفة الانتصار التى لا بديل عنها، شريطة استيعاب وتفهم طبيعة الحرب مع الإرهاب باعتبارها حربا لا تعرف الحدود، ولا تعرف القيم الإنسانية، ولا ينظمها قانون ومعاهدات دولية . فالجماعات الإرهابية تعبر الحدود بين الدول دون احترام لمبادئ السيادة، وتمتد الروابط بين المنتمين إليها دون اعتبار لجنسية أو قانون، وتطمح فى يوم ما إلى إسقاط المنظومة الدولية برمتها، ونقطة البداية لديها هو إسقاط الدول واحدة تلو أخري، واكتساب مواقع وأراض ومدن وقرى تفرض فيها بالقوة والقهر أساليب حياة خاصة بها.

وفى تجربة «داعش» المريرة فى كل من العراق وسوريا وليبيا، ومن قبل تجربة «القاعدة» فى أفغانستان وباكستان، كانت نقطة البداية هى السيطرة على نقاط ارتكاز محدودة جغرافيا ومنتشرة على مساحات متباعدة سواء فى الأطراف أو فى المركز، ثم العمل على ربطها معا بغية تكوين نطاق جغرافى موسع يمثل بداية دويلة فى داخل الدولة الأم. وفى كل من العراق وسوريا تأكد الدور المرير الذى لعبته دول جوار كبرى خاصة تركيا فى توفير موارد بشرية ومالية واقتصادية لداعش والقاعدة والسلفيين الجهاديين والإخوان، والذين توافقوا على إسقاط الدولة السورية وإنهاك الدولة العراقية. ولولا هذا الدعم الفاضح ومن ورائه تمويل قطرى وتحريض سافر من أدواتها الإعلامية، لما امكن لهذه الجماعات الإرهابية أن تستمر طيلة السنوات الخمس الماضية. ورغم أن القاهرة تدرك تماما الدور الخبيث ولديها المعلومات الموثقة عما اقترفته أنقرة والدوحة وعواصم أخرى، فهى ليست فى حرب مباشرة مع هذه الدول، وتلك بدورها تبرز أحد أوجه التعقيدات التى تحيط بالمواجهة الشاملة لتنظيمات الإرهاب، والتى تتطلب مواقف دولية واضحة، إما أن تكون دولا محترمة وملتزمة بميثاق الأمم المتحدة، وإما تكون دولا منبوذة يقع عليها غضب المجتمع الدولى وتُفرض عليها عقوبات وعزلة دولية محكمة إلى أن تتراجع.

وللأسف الشديد فإن تجربة مصر فى تضامن العالم معها لمحاربة الإرهاب مليئة بالمرارة والغضب من السياسات المزدوجة والضغوط الخفية والمواقف الملتبسة وغير المتعاونة. صحيح هناك من ساند مصر بقوة فى حربها ضد الإخوان والإرهاب والضغوط الاقتصادية والإعلامية، إلا أنهم قليل ويستحقون من المصريين كل الشكر والتقدير وأبرزهم السعودية والإمارات والكويت. ولذا فإن دعوة الرئيس السيسى لكى تقف الإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب بكل حسم ضد الإرهاب عملا وليس فقط من قبيل التغريدات والوعود الكلامية، تمثل نوعا من الاختبار لكل من يتشدق بمواجهة الإرهاب ولكنه يتردد فى الوقوف مع مصر وهى تخوض تلك الحرب الضروس نيابة عن أمن العرب والشرق الأوسط كله. والدعوة ذاتها موجهة إلى كل دولة كبرى أو صغرى يمكنها أن تقدم شيئا ولو محدودا ولكنه يصب فى محاصرة تلك التنظيمات البغيضة.

وفى رد مصر الحاسم على تنظيم داعش والمتعاونين معه بعد واقعة الهجوم البربرى على أبناء من محافظة المنيا، تبين أهمية أن تكون الدولة الجارة قادرة على السيطرة على أراضيها، وأن يكون النظام الحاكم فيها مراعيا للمصالح المشتركة، وبالنسبة لليبيا فإن التعاون مع السلطة القائمة فى الشرق الليبى يمثل حجر الزاوية فى إرهاب الإرهابيين فى عموم ليبيا، خاصة أن غرب البلاد وجنوبها ما زال واقعا فى فوضى الجماعات المتناحرة على السلطة. ويمثل المبدأ الذى أعلنه الرئيس السيسى بأن حماية أمن مصر لن يفرق بين مواجهة داخل الحدود وأخرى خارجها خطوة جديرة بالتأمل، وهنا تبرز أهمية أن يكون الجيران متعاونين ويحترمون التعهدات ولا يثيرون الأحقاد أو يتحدثون بخبث وبلا شرف بغية الحصول على مغانم من أطراف بعيدة تُضمر الشر لمصر وشعبها. فكل من يحترم أمن مصر وشعبها فهو فى حماية، وكل من يتصور نفسه كمخلب قط لا ينتظرن إلا الرد القاسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف