منذ صدور الطبعة الجديدة من موسوعة الدكتورة سعاد ماهر محمد: مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، قبل شهور مضت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. والكتاب بمجلداته الخمسة الكبيرة والضخمة لا يفارقنى لحظة. صدر الكتاب عن مشروع ذاكرة الكتابة. يتولى رئاسة تحريره المؤرخ المعاصر الدكتور: أحمد زكريا الشلق، وهدفه إبراز الأعمال الفكرية والأدبية النقدية التى طبعت فى بدايات القرن العشرين.
عرفت صاحبة الكتاب الدكتورة سعاد ماهر، مولودة فى 29/8/1917، وانتقلت إلى رحمة الله سنة 1996. عن 79 عاماً. عرفتها عندما كنت فى بداياتى الصحفية، وأجريت معها حواراً طويلاً، تاهت منى أصوله. وما زلت أتصور أنها كانت من سكان الزمالك. شارع يتفرع من شارع 26 يوليو الذى يقسم الزمالك نصفين. خرجت من بيتها قبل سنوات وفى ذهنى انطباع ما زال موجوداً. أن هذه الباحثة جمعت بين أجمل ما فى الإسلام وأروع ما يمكن أن تقدمه لنا مصر. ألا وهو الفنون الجميلة.
كانت مفاجأتى يومها عندما حدثتنى عن كتاب لها عن الفن القبطي. هكذا كانت مصر، فرغم أن مشروع عمرها يدور حول الفنون الإسلامية المختلفة والعمارة الإسلامية، إلا أن الفن القبطى وجمالياته لفت نظرها لأنها كانت تبحث عن فنون أهل مصر. وعن تجليات المصريين الفنية فى أمر نهمله كثيراً فى حياتنا، ألا وهو العمارة التى لا تعد مجرد مبان وبيوت ومحال وعمارات شاهقة بقدر ما ستصبح فى قادم الأيام تعبيراً عن أذواقنا وفهمنا وموقفنا من كل ما فى الحياة.
صدرت الطبعة الأولى من الموسوعة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، عندما كان المجلس معنياً بنشر الكتب، وكان مهتما بالتاريخ الإسلامى بكل تجلياته. والعمارة جزء منها. المجلدات الخمسة صدر الأول منها سنة 1971، واستمرت فى الصدور وكان نشر المجلد الخامس والأخير سنة 1973. ولأن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لا يعد دار نشر، فقد أصبح العثور على نسخة من المجلدات المهمة مسألة صعبة. إن لم تكن مستحيلة. وهكذا ظل الكتاب غائباً عنا إلى أن أصدرت الثقافة الجماهيرية طبعة جديدة منه صدرت ــ للأسف الشديد ــ فى صمت مريب وغريب. فنحن نبكى على حال الكتاب المصري، وربما كان معنا بعض الحق. لكن عندما نفاجأ بكتب تستحق منا الاهتمام والتوقف عندها واعتبار صدورها علامات تاريخية. فإننا نهملها لأن الاهتمام بها لا يمكننا من استمرار البكاء. لكى أكون دقيقاً التباكى على أحوالنا الثقافية. علماً بأن قضاء العمر فى عملية لعن الظلام قد لا يكون مجدياً وأكثر منه فائدة أن نوقد شمعة أو أن نهتم بشمعة موقدة حتى لو كانت فى آخر النفق تطارد الظلام. فى الكتاب تصدير ومقدمة. المقدمة كتبها الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل. أحد تلاميذ صاحبة الكتاب. بعد أن تتلمذ على يديها من 1973 حتى 1977، وأشرفت على رسالتيه الجامعيتين. يقول عن أستاذته:
- كانت تتمتع بأخلاق العلماء، ذات شخصية قيادية قوية. وكانت محبوبة من الجميع. خدمت كل من حولها وأعلت شأن الآثار الإسلامية والقبطية بمقالاتها وأحاديثها وطلابها. وعن طريق الأحاديث التليفزيونية والإذاعية وكتاباتها بجريدة الأهرام ومجلة منبر الإسلام. فضلاً عن تأليفها عدداً من الكتب العلمية المهمة.
لكل حدث ثقافى مفاجآته التى تبقى متوهجة فى القلب طويلاً. ومفاجأة المجلدات الخمسة، كانت التصدير الذى كتبه الشاعر جرجس شكرى لموسوعة سعاد ماهر عن مساجد مصر وأوليائها الصالحين. وجرجس شكرى لمن لا يعرف، مولود سنة 1967، ولا بد أنك حسدته مثلى على صغر سنه. وهو ناقد مسرحى وشاعر. ومن الوجوه التى تهتم بالثقافة المصرية، صدرت له من الدواوين الشعرية: أسقط أسفل حذائي، رجل طيب يكلم نفسه، كما أن مختاراته الشعرية التى صدرت بالألمانية تحمل عنوان: ما تبقى منا لا يهم أحداً.
يكتب جرجس شكرى فى تصديره:
- نشأت الفنون والعمارة وازدهرت فى ظلال الدين، ومن رحم الأديان، ولدت أعظم الأعمال الفنية التى ما زالت شاهدة على العلاقة الروحية العميقة بين الفن والدين، على عكس ما يفهم البعض فى أيامنا هذه. حيث ولدت الفنون فى ظل العقائد الدينية كطفل ينمو ويترعرع تحت رعاية والديه، وبعد أن بلغت الفنون سن الرشد خرجت من دور العبادة، وراحت تتطور وتعبر عن تغيرات الحياة. فالمسرح خرج من المعابد اليونانية إلى الحياة. ليناقش قضايا الإنسان وأسئلة الوجود. وظلت الفنون شاهدة على هذه العلاقة الروحية بين الدين والفن. حيث احتفظت العمائر الكبرى واللوحات والتماثيل بفائدة هذه الأديان متجسدة فى هذه الأعمال التى تم تجسيدها تعبيراً من الفنان عن إيمانه العميق بهذه العقيدة أو تلك.
يكتب جرجس شكري:
- وهذا الكتاب لا يحتوى على مساجد مصر التاريخية فقط، بل تاريخ المشاهد والمزارات وأضرحة الأولياء، وتراجم أصحابها الذين شاركوا الشعب المصرى أحزانه وأفراحه على مر العصور. ليقدم للقارئ جزءاً مهماً من تاريخه. فالمساجد عبر التاريخ فى مصر لم تكن فضاءات فقط للصلاة والعبادة. بل فضاءات للعلم ودراسة العلوم. فضاءات للنضال والوطنية.
لو كان لمشروع مكتبة الأسرة وجود، لاقترحت على الصديقين الدكتور فوزى أحمد المسئول عن المشروع، والدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، الراعية للمشروع والمنفذة له، أقول لو كان لهذا المشروع وجود لاقترحت عليهما إصدار طبعة شعبية خاصة ورخيصة من الكتاب، رغم أن طبعة الثقافة الجماهيرية رخيصة. فالجزء الذى يقع فى نحو ستمائة صفحة من القطع الكبير يباع بعشرة جنيهات. أى أن ثمن المجلدات الخمسة خمسون جنيهاً، وهو مبلغ ليس كبيرا. لكن لمكتبة الأسرة مكان ومكانة لدى القارئ العادي. أيضاً فإنها تطبع كميات أكبر من أى كتاب. لا أجرؤ أن أطلب منهما، لأننى أعرف أن المشروع متوقف منذ العام الماضى بسبب الاعتمادات المالية. حتى الموازنة الجديدة التى نناقشها الآن تخلو من أى إشارة لمكتبة الأسرة. ومهما يكن الاعتراض فإن ما يريدونه هو ما ينفذ. احتفظوا لأنفسهم بأبهة القرار وتركوا لنا حق الاعتراض.
فهل أطلب من صبرى سعيد، رئيس الثقافة الجماهيرية طرح المتبقى من الموسوعة بالأسواق؟.