مشواره فى الرئاسة لم يستمر سوى عامين، بعدها أطاح به انقلاب عسكرى. هاجر إلى أمريكا. تمت محاكمته غيابياً. أدين. طارده الإنتربول إلى حين. مع كل ذلك فقد ترك خلفه تغييرين مهمين فى بلاده. أقام سلاماً مع جارته بيرو وكانت عدواً أزليا لبلاده. الحرب بينهما كانت تتجدد كل بضع سنوات. ألغى العملة المحلية. أقر التعامل بالدولار كعملة رسمية. حدث ذلك قبل 18 عاما. ظلت هذه التغييرات الجوهرية علامة مهمة وفارقة فى بلاده حتى اليوم. إنه رئيس الإكوادور السابق. صاحب الأصول اللبنانية. جميل معوض (حكم من 1998- 2000 ).
دعيت إلى محاضرة نظمها مجموعة من الشباب النابه. يضمهم تنظيم له مثيل فى كثير من الدول. جمعية خاصة بهم، ذات طابع دولى، تحت مسمى Y.P. O «شباب قادة الأعمال». كانت الدعوة لكى أحضر محاضرة يلقيها هذا الرئيس المنتخب السابق للإكوادور. تحدث عن مشواره فى الرئاسة. عن الظروف التى ألمت به وببلاده. ماذا قرر إزاءها. قال إن الإنسان عليه أن يفعل ما يجب فعله إزاء كل ظرف. بعد ذلك لتكن النتائج ما تكون. بعد خروجه من السلطة. توجه إلى جامعة هارفرد والتى تخرج منها. ليعمل بها أستاذاً هذه المرة. يدرس مادة اسمها «فن التفاوض».
بعد أن تولى الرئاسة مباشرة عانده الحظ بسيل من الكوارث.
أولا: تعرضت الإكوادور لأكبر فيضان أصابها منذ 500 عام.
ثانيا: تجددت ثورة بركان ظل خامداً لمدة 360 عاما.
ثالثا: انخفض الدخل الرئيسى للإكوادور وهو من البترول. هبط سعره فجأة، ليصبح سعر البرميل 7 دولارات. لذلك فقدت الدولة نصف دخلها.
رابعا: وصلت خدمة الدين الخارجى إلى 52 % من إجمالى الدخل القومى.
على أثر كل ذلك. انهال الطلب الداخلى على الدولار. فقدت العملة المحلية 90% من قيمتها السابقة. بدأ تهريب ثروة البلد إلى الخارج من خلال الدولارات المجمعة.
أربع ضربات قصمت ظهر الدولة والرئيس. كان أمامه خيار من اثنين. أن يعالج الاقتصاد. أو أن يتفادى الحرب القادمة مع الجارة بيرو. حرب كانت تهلهل اقتصاديات البلد تماما.
لكن الرئيس قرر أن يحقق الأمرين. أولا إنهاء الحرب مع دولة الجوار. أقام معهم سلاما دائما مع تنازلات من جانبه. وقتها تم ترشيحه هو ورئيس بيرو لجائزة نوبل للسلام (رحم الله السادات. لم يتنازل عن متر مربع). تركت قطعة أرض لتكون مشتركة بين الدولتين.
أما بالنسبة لإيقاف نزيف الدولارات المحولة للخارج. كان قراره جريئاً عندما ألغى العملة المحلية. مع صعوبة هذا القرار. بذلك توقفت مطبعة البنك المركزى لديهم عن طباعة العملة. التى أدت إلى التضخم وانهيار سعر العملة المحلية. جعل التعامل فى الإكوادور بالدولار كعملة رسمية.
نعم أسقطه الانقلاب بعد ذلك. وغادر بلده. لكن أجمل ما فى القصة أن قراراته ظلت باقية إلى يومنا هذا.
معاهدة السلام مع بيرو ما زالت قائمة. بل أصبحت بيرو أكبر شريك تجارى للإكوادور. الدولار ظل إلى يومنا العملة الرسمية للدولة.
بعد ذلك شاهدنا الخطاب الذى ألقاه رئيس الإكوادور الأسبق. يوم تنصيبه أمام البرلمان. كان بليغا وموحيا. بدأه بدعاء إلى الله. قال: «اللهم اعطنى الصبر والتحمل لتقبل ما لا أستطيع تغييره. اعطنى الشجاعة لاقتحام كل ما أستطيع تغييره. اعطنى الحكمة للتمييز بين الاثنين. حتى لا أقدم على ما لا أستطيع، ولا أتخاذل أمام ما أستطيع».