جلال دويدار
لماذا يتنكر البشير.. للروابط التاريخية مع مصر؟
عندما تتابع حكايات الرئيس السوداني البشير غير الودية والتي تتسم بالتناقض تجاه مصر.. لابد أن نتذكر علي الفور أن مواقفه العدائية الحاقدة ضدها لم تتغير منذ انقلابه العسكري وتوليه السلطة عام ١٩٨٩.
في هذا الشأن فإننا لا نلوم سوي أنفسنا حيث إننا نتحمل مسئولية وصوله إلي حكم هذا البلد الشقيق الذي تربطه بمصر أوثق الروابط.. جري ذلك من خلال الخطأ القاتل الذي أوقعنا فيه مدير المخابرات الأسبق أمين نمر والذي عُين سفيرا لنا بعد ذلك في السودان وكان مسئولا بحكم منصبه عن الملف السوداني وانه هو الذي نصح الرئيس مبارك بدعم ومساندة انقلاب البشير والقبول به دوليا.
تم التجاوب مع هذا الخطأ الفادح رغم اعتراض رجل السياسة المحنك بطرس غالي الذي كان يشغل وزير دولة للشئون الأفريقية. أوضح لمبارك أن هذا البشير محسوب علي قوي معادية لمصر في السودان. اكتشاف الرئيس مبارك لصحة ما ذكره غالي جاء متأخرا وبعد خراب مالطة كما يقولون. هذه الحقيقة دفعته إلي إصدار قراره بعزل مدير المخابرات الأسبق من منصبه كسفير في السودان. هذا التحرك جاء بعد أن كان الرئيس الأسبق قد تورط في تقديمه للمجتمع الدولي كشخصية معتدلة موثوق فيها. كانت هذه الشهادة المصرية في حقه سببا في استمرار حكمه والتوقف عن مساعدة ومساندة المعارضين له في السودان. ظهور حقيقة البشير كشفتها بعد ذلك من خلال المواقف المناوئة لمصر والتي تمثلت في تبنيه وتحالفه مع تنظيمات ضد التقارب المصري السوداني. كان أخطرها ما اتخذه في هذا الشأن بتقديم الدعم والإيواء لقيادات الإخوان بعد تسهيل هروبهم إلي السودان.
رغم تذبذب العلاقات بين مصر والسودان بين شد وجذب خلال حكم البشير إلا أن جوهرها كان دائما يأخذ منحي العداء لمصر. لم يحفظ لمصر جميلها بدعمه ومساندته أمام حكم الجنائية الدولية الذي يقضي بالقبض عليه. سمحت له بكسر هذا الحكم من خلال قيامه بزيارة مصر عدة مرات. أدي اليأس من إمكانية عدول هذا البشير عن هذه المواقف العدائية إلي إقدام مبارك علي اتخاذ قراره باستعادة حقوقها المشروعة في تبعية حلايب وشلاتين السيادية تاريخيا ووثائقيا لمصر.
الأحداث الأخيرة فضحت عقدة هذا البشير ضد مصر رغم كل مواقفها الأخوية المشرفة تجاه السودان وشعبه الشقيق. إنها تمثلت في تأييده لإقامة سد النهضة الأثيوبي دون الالتزام بشروط حقوقنا. حدث هذا رغم أن السودان يشارك مصر فيما سوف يسببه من تداعيات بحكم أنها مثلنا دولة مصب.. في هذا الإطار وتصعيدا لهذا التوجه خرج علينا حاكم السودان بمزاعم جديدة لتبرير سياساته ضد مصر وادعاء أنه قد تم ضبط أسلحة ومدرعات مصرية مع متمردي دارفور الذين يحاربونه منذ سنوات طويلة. طبعا فإنه لا يخفي أن هدفه من وراء ذلك استخدام التشهير بمصر لدعم حكمه المهتز ومحاولة تشويه صورتها أمام الشعب السوداني الذي تربطه بمصر أقوي الوشائج.. إنه ومن واقع جهالته التي تعمي بصيرته لا يضع في اعتباره الـ ٥ ملايين سوداني الذين يعيشون في مصر متمتعين بكل حقوق المواطنة المصرية منذ سنوات طويلة.
في مواجهة محاولات البشير للإضرار بمصر علينا أن نعترف بأننا اخطأنا بسكوتنا علي كل الجرائم الفظيعة والبشعة التي ارتكبها ويرتكبها ضد الشعب السوداني وكانت دافعا لاعتباره مجرما ارتكب جرائم ضد الإنسانية.
بالطبع ما كان أحد ينتظر من حاكم السودان هذا السلوك الذي يتنافي مع قيم الأخوة والعلاقات التاريخية التي تربط مصر والسودان وشعبيهما.. إن سجله منذ البداية يؤكد أنه لا يؤمن بهذه القيم التي لا يمكن أن تتأثر بما يروج له من ترهات هذا البشير. لا جدال أن سجل أخطائه في حق السودان لا تعد ولا تحصي. يكفي أنه وبسياسته الخرقاء كان وراء قرار الجنوب السوداني بالانفصال عن الشمال وأنه يحاول حاليا معالجة هذا الخطأ بإشعال نيران الفتنة والصراعات بين أهل الجنوب.