المصرى اليوم
نيوتن
من وسط المعايدات.. رجل وقف مع نفسه
كلما أقبل رمضان أو رأس السنة، أو أية مناسبة مماثلة. أستقبلها حسب الحالة. ربما أسعد بها. أو أقول هذا عام آخر تسرب من بين الأصابع ولن يعود. لكن هناك شيئا واحدا أصبح يزعجنى الآن. بعد تطور وسائل الاتصالات، فجأة أجد هاتفى متخما ومخنوقا بعدد ضخم جدا من المعايدات والتبريكات. زحام لا معنى له. يزعجنى فقط. كلها شكليات لا أكثر. استثمار لتكنولوجيا آلت إلينا حديثا. قد يكون بعضها بلا قيمة أو إحساس. خاصة حين تأتى من مسؤولين. وأنت واثق أنك مجرد رقم ضمن قائمة طويلة. رسائل قد لا تضيف شيئا. غير أنها بالتأكيد تثقل تليفونى. ويكون همى الوحيد التخلص من كل هذا الزحام ومحوه.

وسط كل هذا جاءتنى مكالمة من بعيد. بعيد لأنه غاب عنى اتصاله لمدة طالت عما تعودت. هو كاتب كان له عمود يومى انتظم عليه. توقف فجأة باختياره. قال لى: أريد أن أخبرك بالجديد فيما يحدث بى. أنا أمر بأسعد أيام حياتى. أكثرها سلاماً وأماناً. أولادى يتقدمون فى دراستهم. لذلك وجدت الظرف مهيأ لأراجع مفردات حياتى. ابنى الذى يدرس فى الجامعة الأمريكية أمامه 3 فصول دراسية حتى يتخرج. مع ذلك أعترف بأننى انزعجت عندما رفعت الجامعة مصاريفها من 83 ألفا إلى 151 ألف جنيه للفصل الواحد.

أما عن توقفه عن الكتابة. قال: لا تستغرب. فأنا أستثمر هذا الوقت. لا أهدره. فالتوقف ليس بغريب. فهكذا فعل نجيب محفوظ. والقياس مع الفارق طبعاً. هو توقف عن الكتابة من 1952 حتى 1957. أعطى نفسه فرصة ليستوعب ما جرى من حوله. أنا أقف الوقفة نفسها تقريبا. أحاول أن أستوعب ما جرى فى السنوات الأخيرة. فى الوقت ذاته تفرغت لنفسى شخصياً هذه المرة. أنقصت من وزنى 20 كيلوجراما. لم يكن جسمى فى حاجة إليها. اختفى معها مرض السكر. خاصمت قلم الأنسولين الذى كان لا يفارقنى كل صباح ومساء. لم أعد فى حاجة إليه.

بعدها نجحت فى القضاء على فيروس سى تماماً. بعد كل ذلك كانت لدى مفاجأة. حينما توجهت أنا الريفى الشرقاوى إلى الموسيقى لأدرسها. لأكتشف فيها إحدى النعم الربانية الراقية. لذلك أصبحت أرتاد الأوبرا بانتظام. لم أتخلف عن حفل واحد. فى الوقت ذاته تابعت إدمانى للقراءة. أما لو كنت أملك ترف السفر خارج مصر لسافرت لأتأمل ما هو جار من بعيد.

استمعت لكل هذا بإنصات- فقد جاءت مكالمته مختلفة- منعشة- مشرقة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف