الأهرام
أحمد هوارى
قطر.. الورقة المحروقة
لكل قاعدة شواذ.. ولأنه لا إجماع مطلق.. فمن كل إجماع يخرج شاذ.. وما راق لقطر أن تلعب على المسرح الخليجى والعربى إلا هذا الدور الشاذ..
حبا للظهور ربما.. خلل نفسى لصغر المساحة والحجم والتاريخ ربما.. طمعا فى مكانة إقليمية ربما.. أداءً لمهمة كلفت بها فى وقت ما ربما.. النتيجة واحدة.. وطن عربى يمزق الإرهاب أكباده كل يوم.. وتستنزف الحروب ثرواته بلا هوادة.

ثروة هائلة من الغاز والنفط لا تاريخ وراءها ولا جغرافيا تحتويها.. دولة صغيرة بقوانين السياسة وقواعد التأثير.. أغشى الطمع أبصارها.. لم تجد لها دروا بالمنطقة فعمدت إلى شرائه.. اشترت لاعبين وجنستهم ليأتوا لها بكؤوس البطولات.. اشترت القصور والأندية فى فرنسا وانجلترا.. سارت على الطريقة الإيرانية فى شراء فصيل داخل دول الجوار سعيا للتحكم بها من خلاله.. اشترت الإخوان فى مصر وسوريا وليبيا، وحماس «إخوان فلسطين»، والإصلاح «إخوان اليمن».. اشترت رموز المعارضة الهدامة الهاربين من أوطانهم باعتبارها «واحة الحرية وملاذ المقموعين».. اشترت زعماء الانفصاليين فى إفريقيا وقيادات التنظيمات المتطرفة المسلحة فى المنطقة بدءًا من جبهة النصرة مرورا بأفرع القاعدة وصولا لداعش .. وأئمة الشقاق والجهاد المسلح.. يوسف القرضاوى وأيمن الظواهرى وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر وغيرهم.. اشترت قطر ولبئس ما اشترت.. فقد آن أوان الحساب.. وحانت لحظة المكاشفة والعقاب.. واحترقت الورقة التى طالما لعب بها الغرب لفرض هيمنته على المنطقة وثرواتها.

سقوط بغداد كان من قطر.. من قاعدة «العديد» الأمريكية الكائنة على بعد كيلومترات من الدوحة مركزا للانطلاق والقيادة.. ومن الجزيرة.. خرجت أحاديث أسامة بن لادن عقب تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001.. ومنها تم تهيئة الساحة السياسية للغزو الأمريكى للعراق عام 2003 تحت دعاوى أسلحة الدمار الشامل.. الجزيرة .. قاعدة ارتكاز تزييف الوعى العربى عبر سنوات.. ومعول هدمه من الداخل.. ومنصة صواريخ الحرب النفسية عليه.. وبوق دعاة الفرقة وشيوخ الإرهاب.. صاحبة اليد الطولى فى هدم دعائم الدول العربية طيلة سنوات.. أنظمة وجيوشا وشعوبا ومؤسسات.. تلك القناة التى فقدت سمعتها فتشعبت لواجهات متنكرة ومواقع إخبارية زائفة أخرى.. وراءها التمويل ذاته والأهداف نفسها.. كـ «العربى الجديد» التى يتحكم بها عزمى بشارة، و«عربى 21»، و«هافنجتون بوست عربي» التى يديرها الإخوانى وضاح خنفر.. وغيرها من المنصات الإعلامية التى تسمم الوعى تحت شعارات التنوير والحرية الخاوية.

عقب غزو العراق.. أدرك الغرب فداحة خسائر التدخل العسكرى المباشر بدول المنطقة، بأكبر خسائر مادية وبشرية تتعرض لها أمريكا منذ عقود، فعمدت الأخيرة إلى تغيير إسراتيجيتها بدعم المعارضة داخل الدول العربية حتى تهدم دولها بأيديها، واحتواء التيارات الإسلامية المتشددة بإيصالها إلى سدة الحكم، وتعميق الفروق والخلافات والنعرات داخل دول المنطقة لضرب استقرارها فى مقتل.. وهنا أيضا كانت قطر هى وكيل الشر الأبرز، عبر قناتها الشهيرة الممتد بثها من المحيط للخليج، وعبر أموال الدوحة المتدفقة على جيوب الإسلاميين وأسلحتهم.. لتندلع فينا ثوراتنا تحرق وتدمر وتخرج الإرهاب من مكامنه.. وتظل قطر فى مأمنها ملاذا للمدبرين والمخططين ورؤوس الفتن. بداية جديدة.. لإستراتيجية جديدة إزاء المنطقة.. دشنتها أمريكا فى القمة العربية الإسلامية بالرياض، إستراتيجية أكثر وضوحا إن صح التعبير.. تقوم على مقابل شديد السخاء من عقود التسليح واتفاقيات التعاون المشترك، وتقف بجانب دول الخليج أمام إيران العدو، وتسعى للقضاء «بحق» على الإرهاب، بمحاربة رؤوسه، ومطاردة قادته، وتفكيك ميليشياته، وتجفيف منابع تمويله، أفرادا كانوا أو دولا.. وفى هذا المسار .. وجدت قطر نفسها، بعلاقاتها مع إيران والإرهاب معا.. ورقة محترقة فى اللعبة الجديدة.. ولم يعد أمامها إلا إعلان انحيازها الحقيقي، بالارتماء فى حضن طهران.. عدو الخليج الأبرز.. فى فصل جديد من الخروج عن الإجماع العربى .. والشذوذ عن القاعدة.

وهاهى أطراف المؤامرة تنكشف، والأعداء يظهرون على حقيقتهم، والصراع يخرج إلى النور بعد أن ظل أسفل الطاولة، والغضب ينفجر داخل دول الخليج المغدور بها على قطر الغادرة بعد أن ظل حبيس البيت الخليجي، لتطفو فوق السطح تساؤلات ومفارقات تدعو إلى الدهشة إن لم يكن الضحك.. كيف لا تزال قطر عضوا بالتحالف العربى لدعم الشرعية باليمن بينما تكشف كل يوم عن حقيقة هواها الإيراني؟ وكيف لا تزال عضوا بالتحالف الدولى للحرب على الإرهاب، بينما تستضيف فوق أرضها نخبة إرهابيى العالم؟ وكيف لا تزال عضوا بالتعاون الخليجي، بينما هى إلى طهران أقرب؟ وكيف لم تزل عضوا بالجامعة العربية بعد كل ما أسالته أموالها من دماء؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف