د.أحمد سيد أحمد
أمريكا والناتو.. شراكة قديمة بصيغة جديدة
شكلت قمة الرئيس الأمريكى ترامب مع قادة حلف الناتو عن إيجاد شراكة جديدة مع الحلف ولكن بصيغة مختلفة, فبعد أن شكك ترامب فى الحلف إبان حملته الانتخابية
واتهمه بأنه عتيق, عاد ليؤكد مجددا على أهمية الشراكة الأمريكية التقليدية مع الحلف ودوره فى حماية الأمن الاوروبى ومواجهة التحديات المشتركة وأبرزها الخطر الروسى ومشكلة الإرهاب.
ترامب رغم أنه أكد على أهمية الحلف واستمرار الولايات المتحدة فيه إلا أنه تمسك بعقيدته المتمثلة فى الصفقة ودفع التكلفة مقابل الحماية, وهى مطالبة الشركاء الأوروبيين من دول الحلف بتحمل المزيد من الأعباء المالية وزيادة نسبة إسهامهم فى نفقات الحلف بما لا يقل عن 2%, حيث هناك 22 دولة ما بين 28 دولة الأعضاء لا يلتزمون بدفع مستحقاتهم وهو ما يشكل عبئا كبيرا على الولايات المتحدة. وسعى ترامب لطمأنة الأوروبيين باستمرار المظلة الحمائية الأمريكية ضد التهديد الأكبر لأوروبا والمتمثل فى الخطر الروسى وتدخلها فى أوكرانيا ولضمها لشبه جزيرة القرم, بما يبدد أية مخاوف أوروبية من تداعيات سلبية لتقارب محتمل بين إدارة ترامب وروسيا خاصة بعد تسريب معلومات استخباراتية مهمة لوزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف خلال لقائه معه فى البيت الأبيض, إلا أن الموقف الأوروبى من الرؤية الجديدة لترامب لحلف الناتو أثارت العديد من الشكوك وحالة عدم الثقة خاصة من جانب القوى الكبرى فيه وتحديدا ألمانيا حيث صرحت المستشارة ميركل بعد لقاء ترامب بأن الأوروبيين لابد وأن يعتمدوا على أنفسهم فى حماية أمنهم ضد المخاطر الخارجية, وهو ما يعنى بداية لتفكك حلف الناتو والاتجاه نحو بلورة المشروع الألمانى بإنشاء جيش أوروبى موحد, حيث اتخذت بالفعل خطوات عملية لتكوين نواة هذا الجيش من بعض القوة العسكرية الألمانية وبعض القوات العسكرية من بعض الدول الصغيرة, وذلك لتجنب معارضة بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا لهذه الجيش خوفا من سيطرة ألمانيا عسكريا على الاتحاد الأوروبى وعودة شبح أوضاع ما بعد الحرب العالمية الأولى. التباين الأوروبى الأمريكى يضع العديد من التساؤلات حول مستقبل حلف الناتو فى ظل التصدعات الكبيرة التى تعرض لها فى السنوات الأخيرة, وأبرزها: أولا: انعكاس الخلافات السياسية بين بعض دول الحلف على دوره العسكرى, خاصة الخلاف المتصاعد بين ألمانيا وتركيا, القوتان الأكبر فى الحلف بعد الولايات المتحدة, على هامش قضايا اللاجئين والدستور التركى الجديد, وإعلان برلين عزمها سحب قواتها العسكرية من قاعدة إنجيرليك إلى الأردن, وهو أول سابقة تقوم فيها إحدى دول الحلف بنقل قواتها إلى خارج أراضيه. وثانيا: تتعلق بغياب عقيدة عسكرية واضحة للناتو, فالحلف منذ نشأته عام 1949 وخلال سنوات الحرب الباردة ارتكزت عقيدته على مواجهة واحتواء خطر الاتحاد السوفيتى السابق وانتشار الشيوعية وحماية أوروبا وقامت الولايات المتحدة بإنشاء ونشر نظام الدرع الصاروخى فى المجر وتشيكوسلوفاكيا, وضم بعض دول الاتحاد السوفيتى السابق إلى الحلف, إلا أنه لم يمنع تمدد النفوذ الروسى خاصة فى أوكرانيا وضم القرم.
كما أنه بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى السابق توسعت العقيدة العسكرية للحلف لتستهدف خطر التنظيمات الإرهابية الإسلامية, وتدخل الحلف فى أفغانستان لأول مرة خارج أراضيه, كما تدخل فى ليبيا لإسقاط نظام العقيد القذافى عام 2011, وأخذ الحلف يركز بشكل كبير على قضية الإرهاب, لكن نمط تعامل الحلف مع هذا الخطر لم تحقق نجاحا كبيرا خاصة أنها اعتمدت على فكرة الغارات الجوية فى مواجهة عدو متحرك يعتمد على إستراتيجية حرب العصابات, ولم يمنع الحلف وقوع العديد من العمليات الإرهابية داخل الولايات المتحدة وأوروبا. ورغم تدخله فى أفغانستان إلا أنه لم ينجح فى القضاء على طالبان أو تحقيق الأمن والاستقرار فيها, كما أن تدخله لإسقاط القذافى دون وجود بديل أنشأ حالة من الفراغ وانهيار الدولة مما سمح بنمو التنظيمات الإرهابية وانجراف ليبيا إلى حالة من الفوضى والصراع لأكثر من ست سنوات ولا تزال الضبابية سائدة أمام تحقيق الاستقرار فيها.
ولذلك فإن مستقبل الحلف لا يرتبط فقط بمدى ومتانة الشراكة الأوروبية الأمريكية التقليدية وحرصهما على التمسك بالحلف مع تقاسم الأعباء, وإنما بقدرة أعضائه على تطوير استراتيجياته فى مواجهة المخاطر الجديدة وأبرزها مواجهة مشكلة الإرهاب المتصاعدة فى كل أنحاء العالم, ومدى تطوير آليات جديدة ترتكز على ما يسمى بالقوة الذكية وعلى أفراد قليلين مع قدرة أكبر على التحرك والانتشار السريع, والاعتماد بشكل أساسى على الجانب المعلوماتى والاستخباراتى وتوجيه ضربات استباقية ضد التنظيمات الإرهابية فى إطار احترام القانون الدولى والتنسيق مع الدول الأخرى وعدم التدخل فى شئونها تحت اعتبارات الديمقراطية و مظلة حقوق الإنسان, والمساعدة فى حل مشكلات وأزمات الشرق الأوسط عبر التوصل إلى حلول سياسية توافقية فيها خاصة فى سوريا وليبيا والعراق. ولذا فإن الشراكة الجديدة بين أمريكا وأوروبا حول حلف الناتو ربما تسهم فى الحفاظ على استمراره لكنها لن تغير من فاعليته ودوره المستقبلى.