أغلب الظن أن الثقافة العربية عرفت حكايات ألف ليلة وليلة كنصوص مدونة فى كتاب قبل ان يتم تداول بعض حكاياتها فى شكلها الشفهى، فقد ترجمت من لغتها الأصلية إلى اللغة العربية، والترجمة لم تكن شفهية، بل كانت نصية ورقية، وقد شاهد المسعودي (283 - 336 هـ) وابن النديم (ت 438 هـ) المخطوط، حتى أن حكاية ابن إسحاق (85 151 هـ) التى ذكرها ابن النديم فى الفهرست أشارت إلى أن الجهشيارى (ت 331 هـ)، جمع أربعمائة ليلة وثمانين من المسامرين، أى بعض القصص الشفهية، وأيضا من الكتب المصنفة فى الأسمار والخرافات، وإذا كان الجهشيارى حسب الرواية قد ضمن كتابه (أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم) بعض الأسمار الشفهية، فبتدوينها تم تثبيتها ومنحها الشكل الأخير للرواية والقص، وبتداول الكتاب بين المثقفين فى البلدان، أضيفت قصص بعينها للكتاب فى بلدان بعينها، حتى أن الباحثين انتهوا إلى أن الليالى (بعد ترجمتها وتداولها فى كتاب) أخذت شكلها النهائى فى مصر خلال العصر المملوكى، حيث قاموا بترتيبها وإضافة بعض القصص المصرية لها.
وما يرجح القول إن بعض الحكايات المستقر عليها فى الليالي، قد نقلت حرفيا من بعض كتب الأخبار، تشابه بعض الحكايات فى كتب الأخبار مع قصص بعينها فى الليالى إلى حد التطابق، وقد حاولت منذ فترة ترجيح هذا الرأى بتحقيق بعض الحكايات وتخريجها من كتب الأخبار، ونجحت المحاولة وعثرت بالفعل على مصادر بعض القصص المذكورة فى كتاب الليالي، على سبيل المثال فى الجزء الثانى من الليالى حكاية «اسحق الموصلي» تجدها مع تصريف فى نهاية الأرب للنويرى (22/221)، وفى كتاب كمامة الزهر وصدفة الدرر للحضرمى (ص 265)، وحكاية «خالد بن عبدالله القسرى» تجدها فى كتاب أخبار العشاق للأنطاكى (ص 252)، وفى الجزء الثالث من الليالى حكاية «مدينة النحاس» تجدها فى كتاب معجم البلدان للحموى (5/80)، وفى كتاب أخبار العباد للقزوينى (ص 558)، برواية أبو حامد الأندلسى وابن الفقيه، وحكاية «مكر النساء وان كيدهن عظيم» ذكرت فى كتاب المستطرف للابشيهى (1/44)، وحكاية «هند بنت النعمان»، ذكرت بنصها فى كتاب المحاسن والأضداد (ص 141)، وفى المستطرف (1/54)، وحكاية «جميل بن معمر لأمير المؤمنين هارون الرشيد» تجدها فى كتاب أخبار العشاق (ص211) برواية جبيلة بن الأسود، وعن الثورى فى كتاب المستطرف (2/190)، وفى كتاب نهاية الأرب (2/195)، وفى الجزء الرابع من الليالى «حكاية الشاب البغدادى مع جاريته التى اشتراها» تجدها فى كتاب أخبار العشاق (ص 223 )، وحكاية «أبى الحسن الخرسانى الصيرفى مع شجرة الدر» ذكرت فى كتاب نهاية الأرب (2/165).
واختلاف القصص من حيث الصياغة بين هذه الكتب والليالى لا يعنى أن القصص انتقلت بالضرورة من الليالى إلى هذه الكتب، بل قد تعود إلى اشتراكهما فى النقل من مصدر واحد، أما الاختلاف فى الصياغة فيعود إلى مؤلف الكتاب الذى قد ينقل الحكاية نصًا وصياغة من مصدرها أو يتدخل بالاختصار وإعادة الصياغة، وهو ما كان متبعًا وشائعًا بين المؤلفين آنذاك، كما أن أسبقية الليالى أو تأخر بعض المراجع عن الليالى زمنيا، فهذا لا يعنى بالضرورة أسبقية الليالى فى التأليف، وما يقوى ظنوننا هذه أن بعض الحكايات جاءت عربية ومصرية لحما ودما.