الوفد
عباس الطرابيلى
هو.. الحنين للماضي
الفن.. مرآة الناس.. والمصري يعشق كل ما يدخل إلي القلب، قبل العقل.. حتي في الأغاني.. وأمامنا أغاني رمضان!!
فالكثيرون غنوا للشهر الكريم.. ولكن علي مدي قرن كامل لم تعلق الأغاني الجديدة، كما ترسخت.. وجلست ومدت رجليها، تلك الأغاني القديمة.. كثيرون قدموا لنا أغاني رمضانية: محمد فوزي. سيد إسماعيل. فريد الأطرش.. حتي محمد الكحلاوي المشهور غنائياً بأنه منشد الرسول الكريم.. كلهم وغيرهم قدموا الكثير ولكن أين هؤلاء من أغنيتين الأولي رمضان جانا لمحمد عبدالمطلب.. والثانية وحوي يا وحوي لأحمد عبدالقادر.. فهما في المقدمة.. بل بدونهما لا تعرف أن شهر رمضان قد جاء حقيقة.. حتي أن محمد عبدالمطلب قال مرة «أغنيتي هذه أهم من بيان مفتي مصر الذي يعلن فيه ثبات رؤية الهلال.. أي هي الإعلان الحقيقي لمجيء الشهر الكريم..
<< وأغنية رمضان جانا من كلمات حسين طنطاوي وألحان محمود الشريف الذي كان زوجاً للسيدة أم كلثوم.. وبعدها جاءت أغنية أحمد عبدالقادر وحوي يا وحوي.. وربما لا يذكر المستمعون لهذا المطرب إلا هذه الأغنية وهي من ألحان أحمد شريف.. والأغنيتان ظهرتا في وقت واحد تقريبا في أواخر الثلاثينيات.. وأصبحتا رمزاً للشهر الكريم.. وكنا ونحن أطفال نحمل الفوانيس الصاج والزجاج الملون تنيرها الشمعة نطوف الحواري المجاورة جماعات ونحن نغني ونردد مرة وحوي يا وحوي.. وأخري رمضان جانا.. وادونا العادة ونردد: حلوا الكيس.. وادونا بقشيش.. الفانوس طأطأ. والعيال نامت.. وويل لمن لا تطل علينا من سيدات البيوت ولا تلقي لنا بعض النقود. إذ كنا نهتف- وبحرقة- خنفسة علي خنفسة.. صاحبة البيت ده.. مفلسة!!
<< وحاول معظم المطربين الحصول عبثا علي جانب من شعبية هاتين الأغنيتين.. حتي من كان يملك صوتا رخيما.. مثل محمد الكحلاوي وأشهر أغانيه في مدح الرسول الكريم، ومحمد فوزي المبدع الذي فقدناه صغيرا ومات بحسرته بعد أن أمم عبدالناصر أول مصنع للأسطوانات أقامه هذا الفنان في مصر.. وهي أغنيته: بشراك يا صايم.. وحتي فريد الأطرش الذي قدم أغنيته «هلت ليالي» عن ليالي الشهر الفضيل.. وكذلك أدعية محمد عبدالوهاب نفسه، الدينية.. ولكن الكل رفعوا الراية البيضاء واستسلموا أمام بساطة كلمات وشعبية لحن.. وأداء مطرب وأقصد «رمضان جانا»، و«وحوي يا وحوي».
حتي الصين،، عندما أرادت أن تغزو قلوب المصريين وقدمت فانوس رمضان الصديق الذي يشد الأطفال.. والكبار معاً.. لم تجد أفضل من هاتين الأغنيتين ليزيد انتشارهما، ليس في مصر فقط، بل في كثير من البلدان العربية والإسلامية.. ولو طبقنا كما يجب «حق الأداء العلني» لأصبحت أسرة عبدالمطلب ومحمود الشريف في الأول وأسرة أحمد عبدالقادر وأحمد شريف من أغني الأغنياء.. ولو فرضنا علي كل فانوس.. قرشاً واحداً.. فقط لا غير..
<< فهل تشدنا هذه الأغاني إليها لأننا نعشق ذلك الزمن الجميل، الذي كان.. أم لأننا نربط بينها وبين أيام طفولتنا.. وما أروع طفولتنا زمان.. أم هو عدم قدرة فناني العصر الحالي على غزو قلوبنا بما هو جديد.. فأصبحنا نعشق هذا القديم.. في صورة تلك الأغاني التي عاشت معنا أحلي أيامنا..
أنا نفسي أعشق شهر رمضان «بتاعي» يعني بتاع زمان.. مهما حاولنا تقديم الجديد.. وإذا كنا نترحم علي المسحراتي القديم أكثر مما ترحمنا مثلا علي الراوي الذي كان يقدم لنا السيرة النبوية أو سيرة أبوزيد أو عنترة.. فإنما لأننا «نعشق الجو» الذي عشناه، أيام طفولتنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف