المصريون
احمد السيد على ابراهيم
إثبات الأهلة بالحسابات الفلكية ( الحلقة الثانية )
ثانيا : السنة :-
1- عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّا أمةٌ أميةٌ ، لا نكتبُ ولا نَحْسُبُ ، الشهرُ هكذا وهكذا . يعني مرةً تسعةً وعشرينَ ، ومرةً ثلاثينَ ." [ رواه البخارى ومسلم ]
وجه الدلالة : قالوا : أن الحديث إما أن يكون خبراً أو إنشاءً. أما كونه خبراً فبيِّنٌ لا خلاف فيه، وهو الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم . وأما كونه إنشاءً، فهو خروج عن الظاهر، فلم هو؟ ثم إن الأوجه المختلفة لإعراب جملة "لا نكتب ولا نحسب" لا تساعد على هذا، وهي كلها لا تصلح للإنشاء، وأعني بها الخبرية والصفة والحالية. فإن من شرط هذه الثلاثة أن تكون خبرية لفظا ومعنى، كما هو معروف في كتب النحو. ولا يقبل الحديث إلا معنيين: إما أن يكون الحديث إنشاءً ونهياً عن الكتابة والحساب (فينبغي بذلك ذكر الحديث في باب فضائل الأميّة!!)، وإما أن يكون الحديث إخباراً عن واقع في الزمن الذي قيل به الحديث. ولا ثالث بينهما. فليزم على التفسير الأول: القول بتحريم الكتابة والحساب، وهما عمدة العلوم العقلية اليوم. وما علمت أحداً من العلماء أصلاً فهمه كذلك. وهل سمعت في أحد الكتب "باب فضل الجهل والأميّة"؟ أو "باب تحريم الكتابة والحساب"؟! فإن لم يكن نهياً فهو إذاً إخبار عن واقع في ذلك العصر. فإن اليهود يعملون بالتقويم القمري كذلك وليس الشمسي. وكانت لهم طريقة في الحساب الفلكي تعتمد على حساب المطلع الفلكي للقمر. وكان العرب آنذاك أمةٌ أمية لا يعرفون الكتابة ولا الحساب. فمن الطبيعي أن يرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض اليهود بحساب مطالع الشهور. هذا عدا أن تلك الحسابات لم تكن صحيحة أصلاً.


وقوله "إنا أمة أمية..." من قبيل مسلك الإيماء إلى علة قياس الفلكيين المضبوط على رؤية الهلال بالبصر. أي سبب عدم اعتماد الحساب هو عدم معرفتنا به (آنذاك) لأننا أميون. والحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً. فإذا انتفت العلة (ولقد انتفت) انتفى السبب الذي دَعا لعدم اعتماد الحساب .
( يراجع بحث حوار هادىء حول إثبات رؤية الهلال منشور على الشبكة العنكبوتية )
ثالثا : القياس :-
قالوا : بقياس التوقيت في ثبوت شهر الصوم ابتداء وانتهاء على توقيت الصلوات الخمس، فكما جاز الاعتماد في معرفة أوقات الصلوات الخمس على الحساب فليجز الاعتماد عليه في معرفة وقت ابتداء صوم رمضان والفطر منه جملة، بل يجب عليهم أن يرجعوا إلى علماء حساب النجوم ومنازل القمر في بدء الشهور القمرية ونهايتها، كما رجعوا إلى الساعات الفلكية واعتمدوا عليها في معرفة الأوقات في البلاد التي يكون الليل أو النهار فيها أكثر من أربع وعشرين ساعة.
رابعا : المعقول :-
قالوا أولا : بأن علم الحساب مبني على مقدمات يقينية، فكان الاعتماد عليه في إثبات الأهلة ونحوها عند تيسره أقرب إلى الصواب في التوقيت، وأضمن لتحقيق الوحدة بين المسلمين في نسكهم وأعيادهم، وأبعد عن الخلاف في معاملاتهم .
وقالوا ثانيًا : برجوع الفقهاء إلى أهل الخبرة في كثير من شئونهم، فنراهم يرجعون إلى الأطباء في جواز فطر المريض في رمضان، ويرجعون إلى علماء اللغة في فهم نصوص الكتاب والسنة، ورجعوا في تقدير مدة التأجيل في العنين والمعترض وتقدير سن اليأس- إلى الحساب، إلى غير هذا من أمور، فيجب عليهم أن يرجعوا في بدء الشهور القمرية ونهايتها إلى حساب النجوم ومنازل القمر.
وأجيب : بوجود الفرق بين الرجوع إلى علماء الحساب والرجوع إلى الأطباء وعلماء اللغة فيما يخصهم .
وبيانه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب في مسألتنا الرجوع إلى رؤية الأهلة ومنع الاعتماد على غيرها، فقال: http://www.alifta.net/_layouts/images/UserControl-Images/MEDIA-H1.GIFلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه http://www.alifta.net/_layouts/images/UserControl-Images/MEDIA-H2.GIF، ولم يمنع من الرجوع إلى الأطباء في تشخيص الأمراض وتقدير خطورتها وعلاجها، ولم يمنع من الرجوع إلى اللغة في فهم النصوص، بل
أقر ذلك وجرى العمل عليه في عهده وعهد الصحابة، وكيف تفهم نصوص القرآن والسنة بدون اللغة العربية، وهي الوسيلة الوحيدة لذلك، أما ادعاء رجوع الفقهاء في تقدير مدة التأجيل فيما ذكر وفي تقدير سن اليأس إلى الحساب- فممنوع إن أريد به حساب النجوم ومنازل القمر وسيره، ومُسَلَّم إن أريد به الرجوع في تقدير ما ذكر إلى عد الشهور القمرية بناء على رؤية أهلتها، ويتبع هذا معرفة السنين، فإن السنة اثنا عشر شهرًا بنص القرآن، وأما معرفة الأيام فراجعة إلى أمر حسي هو طلوع الشمس وغروبها.
وبهذا يتبين : أن الشرع لم يدلهم في ضبط شئونهم على أمر خفي، كحساب سير النجوم، بل دلهم على أمر ظاهر عام؛ كالرؤية، وطلوع الشمس وغروبها ودلوكها
وقالوا ثالثا : بقياس التوقيت في ثبوت شهر الصوم ابتداء وانتهاء على توقيت الصلوات الخمس، فكما جاز الاعتماد في معرفة أوقات الصلوات الخمس على الحساب فليجز الاعتماد عليه في معرفة وقت ابتداء صوم رمضان والفطر منه جملة، بل يجب عليهم أن يرجعوا إلى علماء حساب النجوم ومنازل القمر في بدء الشهور القمرية ونهايتها، كما رجعوا إلى الساعات الفلكية واعتمدوا عليها في معرفة الأوقات في البلاد التي يكون الليل أو النهار فيها أكثر من أربع وعشرين ساعة.
وأجيب : بما حكاه السبكي عن المانعين:
أولا : أن الشارع أناط الحكم في الأوقات بوجودها وفصلت السنة ذلك، وأناطه في الهلال برؤيته، فلم يعتبر وجوده في نفس الأمر.
وثانيا : أن مقدمات الهلال خفية، ويكثر الغلط فيها، بخلاف الأوقات، ولا محذور في أن الهلال يعرف بالحساب وجوده وإمكان رؤيته، ولا يكلفنا الشرع بحكمه، ولو عمل في الأوقات كذلك كان الحكم كذلك، لكنه أناطه بوجودها فاتبعنا في كل باب ما قرره الشرع فيه.
وأما من يستمر الليل أو النهار عندهم أربعا وعشرين ساعة فأكثر فالصوم والصلوات واجبة عليهم، وأوقاتها في هذه البلاد منوطة بأوقات الصوم والصلوات في أقرب البلاد التي تتميز فيها مواقيت العبادات إليهم، وكذا تقدير مدة الإيلاء والعدة والآجال ونحوها.

الرأى الثالث : جواز الأخذ بالحسابات الفلكية فى النفى لا الإثبات :-
فأصحاب هذا الرأى يرون الأخذ بالحسابات الفلكية فى نفى رؤية الهلال لا فى إثباته ، بمعنى أنهم يعتمدون على الرؤية البصرية للهلال ، شريطة أن تصدقها الحسابات الفلكية ، فلو اثبتت الحسابات الفلكية ، استحالة رؤية الهلال فى السماء لعدم ولادته ، فلا يأخذون بالرؤية البصرية التى تثبت وجوده ، وينفونها ، أما إذا أثبتت الحسابت الفلكية ولادة الهلال ، فلا ياخذون بها وإنما بالرؤية البصرية ، فإذا رؤى الهلال بالبصر عملوا به ، وإذا لم ير فلا يعملون بالحسابات الفلكية ، ويتضح ذلك حال وجود غيم أو عوائق تمنع الرؤية البصرية ، فلا يعتدون بالحسابات الفلكية ، وهذا الرأى يختلف عن الرأى الثانى الذى يأخذ بالحسابات مطلقا ، فى هذه الجزئية ، إذ أن الرأى الثانى فى حالة تعذر الرؤية لوجود مايمنعها فى السماء من غيم أو دخان أو أتربة ، يأخذ بالحسابات الفلكية التى تثبت ولادة الهلال ، فهو يأخذ بها فى النفى والإثبات ، بينما الرأى الثالث لا يأخذ بها فى الإثبات ، وإنما يأخذ بها فى النفى فقط .
أدلتهم :- استدل أصحاب هذا الرأى بالقرآن والسنة والمعقول
أولا : القرآن : قال تعالى : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بكم العسر " [ البقرة 185 ]
وجه الدلالة : قالوا : أن الله سبحانه علق الصيام على رؤية الهلال ، قال أبو إسحاق الزجاج
و قال الشيخ إبن العثيمين رحمة الله : " قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر }؛ { شهد } بمعنى شاهد؛ وقيل: بمعنى حضر؛ فعلى القول الأول يرد إشكال في قوله تعالى: { الشهر }؛ لأن الشهر مدة ما بين الهلالين؛ والمدة لا تشاهد؛ والجواب أن في الآية محذوفاً؛ والتقدير: فمن شهد منكم هلال الشهر فليصمه؛ والقول الثاني أصح: أن المراد بـ{ شهد } حضر؛ ويرجح هذا قوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر }؛ لأن قوله تعالى: { على سفر } يقابل الحضر." أهـ
2- قال تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(البقرة 189).
وجه الدلالة : قال شيخ الإسلام إبن تيمية فى مجموع الفتاوى : " فجعل الله تعالى الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة في الشرع ابتداء أو سببًا من العبادة، وللأحكام التي تثبت بشروط العبد، فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه الصيام والحج ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة، وخص الحج بالذكر؛ تمييزًا له، ولأن الحج تشهده الملائكة وغيرهم، ولأنه يكون في آخر شهور الحول، فيكون علما على الحول، كما كان الهلال علما على الشهر، ولهذا يسمون الحول حجة. " ا هـ
ثانيا : السنة : - عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيَتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ ، فإنْ غبِّيَ عليكم فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ " [ رواه البخارى ] وفى رواية لإبن عمر رضى الله عنهما " الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا ثم عقد إبهامَه في الثالثةِ فصوموا لرؤيتِه . وأفطروا لرؤيتِه . فإنْ أُغمْيَ عليكم فاقْدروا له ثلاثينَ . وفي روايةِ : فإنْ غُمَّ عليكم فاقدروا ثلاثينَ . نحو حديثِ أبي أسامةَ . " [رواها مسلم ]
وجه الدلالة : أن البني صل الله عليه وسلم علق الصيام والإفطار على رؤية الهلال .

ثالثا : المعقول : قال تاج الدين السبكى فى فتاويه : " إن الحساب إذا نفي إمكانية الرؤية البصرية، فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود، وقال: لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يقوم عليه. وذكر أن من شأن القاضي أن ينظر في شهادة الشاهد عنده، في أي قضية من القضايا، فإن رأي الحس أو العيان يكذبها ردها ولا كرامة. وقال: (والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكناً حساً وعقلاً وشرعاً، فإذا فرض دلالة الحساب قطعاً على عدم الإمكان استحال القول شرعاً، لاستحالة المشهود به، والشرع لا يأتي بالمستحيلات أما شهادة الشهود فتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب . " أهـ
وقال في العلم المنشور، في إثبات الشهور: “فينظر القاضي في حال الشهود … ومحل الهلال مما يُشوِّش الرؤية، ومعرفة منـزلة الهلال التي يطلع فيها، وما يقتضيه الحساب من إمكانية رؤيته وعدمها …والإخبار يحتمل الصدق والكذب، والكذب يحتمل التعمد والغلط، ولكل منهما أسبابٌ لا تنحصر، فليس من الرُّشد قبول الخبر المحتمل لذلك أو الشهادة به مع عدم الإمكان؛ لأنَّ الشرع لا يأتي بالمستحيلات، وهذه المسألة لم نجدها مسطورةً فتفقهنا فيها ورأينا عدم قبول الشهادة، وإنَّما سكت الفقهاء عنها لأنَّها نادرة الوقوع، ولما وقعت في هذا الزمان احتجنا إلى الكلام فيها … وقد رأينا من يوثق بعقله ودينه يغلطُ في رؤيته الهلال كثيرًا …فإذا سلمت البيِّنةُ من هذه الأمور كلها وسَلِمَ موضع الهلال من الموانعِ وحاسة الشاهد من الآفاتِ: قبلناه إذا جوَّزنا الرؤية، فإن أحلناها بدليلٍ قام عندنا لم نقبل تلك الشهادة، وحملناها على الغلط أو الكذب… لأنَّ الحساب القطعي أو القريب من القطعي على عدم الإمكان أقوى من الريبة .. وقد اشتدَّ في الإنكار على من يرفض الحساب في هذه المسألة فقال: “قد يحصل لبعض الأغمار والجهال توقف فيما قلناه، ويستنكر الرجوع إلى الحساب جملةً وتفصيلاً، ويجمد على أنَّ كل ما شهد به شاهدان يثبت، ومن كان كذلك لا خطاب معه، ونحن إنما نتكلم مع من له أدنى تبصر، والجاهل لا كلام معه " أهـ
الرأى الراجح :-
الرأى الثالث الذى توسط بين الرأيين ، وذلك للآتى :-
1- لأنه قول فيه إعمال للدليل الشرعى النقلى ( الرؤية البصرية ) ، وعدم إهمال للدليل العقلى ( الحساب الفلكى ) والعقل الصريح لا ينافى النقل الصحيح .
2 – لأن القاعدة الكلية الكبرى أن : " اليقين لا يزول بالشك " ، فإذا أثبت الحساب إستحالة ولادة القمر وأثبت الشاهد رؤيته له ، طرحنا الرؤية لأن الحساب يقين والرؤية شك واليقين لا يزول بالشك فلا يعمل بالرؤية .
3- وجوب رد الشهادة إذا تبين خطؤها ، قال الشيخ بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقا في كتابه إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة : " الواجب على القاضي النظر في حال الشهود وتحقق عدالتهم وتيقظهم وبراءتهم من الريبة والتهمة.. وسلامة حواسهم.. وحدة نظرهم.. وسلامة الأفق ومحل الهلال مما يشوش الرؤية.. ومعرفة منزلة الهلال التي يطلع فيها. وما يقتضيه الحساب من إمكان رؤيته وعدمها، فإن المشهود به شرطه الإمكان.. فإذا دل الحساب على عدم إمكان الرؤية وأخبر مخبر برؤيتها.. فالخبر يحتمل الصدق والكذب.. والكذب يحتمل التعمد الغلط.. ولكل منهما أسباب لا تنحصر. فليس من الرشد قبول الخبر المحتمل لذلك.. أو الشهادة به مع عدم الإمكان.. لأن الشرع لا يأتي بالمستحيلات.. وهذه المسألة لم نجدها مسطورة فتفقهنا فيها ورأينا فيها عدم قبول الشهادة. " أهـ
ورد الشهادة للآتى :- قال الدكتور عماد الدين خيتى فى مقالته العمل بالحساب الفلكى فى ضبط الرؤية منشور على الشبكة العنكبوتية : " أ- أنَّ من شروط قبول الشهادة: أن تكون منفكة عما يكذبها حساً وعقلاً، والشهادة المُخالفة لما دلَّ عليه العلم اليقيني: هي شهادةٌ دلَّ العقل والحس المبني على العلم اليقيني أنَّها غير صحيحة. فإذا شهد شخصٌ أو - مجموعة أشخاص - برؤية الهلال وكان الحساب القطعي يدل على عدم إمكانية رؤيته، إما لعدم ولادته، أو كونه تحت خط الأفق، أو غير ذلك، فيجب رد شهادتهم وعدم التعويل عليها.
ب - أنَّ دلالة الحساب على وقت طلوع الهلال مثل دلالته على مكان طلوعه، وشكله عند طلوعه، فلو شهد شاهدٌ برؤيته في مكانٍ لا يطلع فيه فلا تُقبلُ شهادته. كما لو أنَّه شهد بأنَّه رآه على شكل كذا وكان كلامه خطأ فيدلُّ على أنَّ شهادته غير صحيحة، فلا تُقبل.
ج - لا يقتضي الحكم بردِّ الشهادة الحكم بكذب الشاهد، فإنَّه من خلال النظر في أقوال العديد ممن يرفضون رد الشهادة إذا خالف الحساب دعواهم أنَّ الشهود ثقات، وليس هذا محل نـزاع؛ فإنَّ قبول الشهادة أو رفضها لا يتوقف على صدق أو كذب الشاهد، بل هناك مجموعةٌ من الشروط الواجب توافرها في الشاهد، وفي الشهادة، وكيفية تحمُّلها، وكيفية أدائها.
د - القياس على بقية الشهادات الأخرى، كالشهادات في الحدود أو الحقوق أو غير ذلك، فلو شهد شهود - ولو كانوا عدولاً- على أمرٍ، والواقع والحس يُناقضان الشهادة: لما جاز الأخذُ بالشهادة مهما كانت عدالة الشهود أو عددهم
4- أن الرؤية تتحقق في أيامنا هذه بالحساب الدقيق. والرؤية في اللغة العربية تحتمل كل ذلك بل أكثر. فالله سبحانه وتعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}. ويقول كذلك: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}. ومعلوم أن الرسول صل الله عليه وسلم لم ير الحادثة "بعينه" بل بالإخبار، فتأمل. فإذا كان الإخبار بمرتبة اليقين، صح لك أن تقول أنك رأيت الأمر. ومثال ذلك قول الله في سورة التكاثر: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}. فالمراد بالمرة الأولى رؤيتها قبل يوم القيامة رؤية البصيرة، و هي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين. والرؤية الثانية هي الرؤية البصرية التي تكون في يوم القيامة. " [ حوار هادىء حول إثبات رؤية الهلال ]
أقوال بعض المعاصرين المؤيدين لهذا القول :-
ذهب الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله– في شرحه لزاد المستقنع (نهاية الشريط الأول) إلى رد شهادة رؤية الهلال، بقول أهل المرصد من الفلكيين –العاملين بالحساب– إذا قرروا عدم إمكانية رؤيته. وإلى ذلك ذهب الشيخ محمد بن عبد الرازق المراكشي صاحب "العذب الزلال"، وهو من الكبار في تخصصه الفلكي. وقال الشيخ عبد الله المنيع (عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة تقويم أم القرى): فى حوار مع جريدة الرياض «وأما حكم العمل بالحساب الفلكي من حيث النفي، فيجب الأخذ بذلك... لأن الرؤية شهادة، ومن أسباب رد الشهادة أن تكون مرتبطة بما يكذبها». وقال الدكتور ياسر برهامى ردا على سؤال " ما صحة ما قيل من خطأ رؤية هلال شوال في السعودية ومن تبعها على ذلك من الدول؟ وهل يلزمنا قضاء يوم على إفطارنا يوم الثلاثاء؟ بموقع أنا المسلم ، فكان مما قال : وأنا أرى صحة القول بجواز رد شهادة الشهود إذا استوفيت الشروط المذكورة، وليس هذا من تقديم الحساب على الرؤية كما يظن البعض ممن ينكر ذلك، بل هو من رد شهادة من قامت القرائن، بل الأدلة على كذبه أو خطئه، ففي هذه الحالة لم تثبت الرؤية والأمر في هذا العام على خلاف ذلك. "
أقسام الدول الإسلامية المعاصرة :- قال الدكتور مسلم شلتوت فى بحثه مدى دقة الحسابات الفلكية في إثبات الشهور الهجرية : " فإذا رجعنا لعلماء الشريعة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية المختلفة نجد أنهم منقسمون إلى ثلاث مجموعات وهي :-
1- مجموعة تأخذ بالحساب الفلكي بديلاً عن الرؤية (ليبيا ـ تونس ـ الجزائر ـ تركيا ـ ماليزيا ـ بروناي ـ أندونيسيا).
2- مجموعة تأخذ بالحساب الفلكي كمدخل للرؤية الشرعية الصحيحة ولكنه ليس بديلاً عنها (مصر).
3- مجموعة تتمسك بالرؤية بالعين المجردة أو المنظار وترفض الحساب الفلكي (السعودية ـ الهند ـ الباكستان ـ بنجلاديش ـ المغرب) أما قطر والكويت والإمارات والبحرين واليمن وسوريا والأردن يتبعون السعودية بالرغم من أن لهم قاضي قضاه أو هيئة ثبوت الرؤية . " أهـ

المستشار / أحمد السيد على إبراهيم
نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – الكاتب بمجلة التوحيد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف