البديل
عبد الرحمن جاسم
عن انتصار الأسرى.. جميلاً
لا شيء يشبه انتصار الأسرى الأخير على العدو الصهيوني؛ فالأسرى هم خط مواجهتنا الأول مع الكيان العبري. ولا ريب أنَّ ردات فعل قادة الكيان التي تحدّثت كثيراً حول إضراب الأسرى الأخير والذي استمر لأربعين يوماً كاملا يتسم بالواقعية في التعامل مع مواجهةٍ بهذا الحجم. كالعادة أبدى الصهاينة عنصرية ووحشية كبرى، فأسرت ميري ريغيف، وزيرة ما يسمّى بالثقافة، بأنَّ علينا أن نحضّر قبوراً لهؤلاء الأسرى، لا أن نتعامل معهم باللين، أو ما قاله زعيم الصهاينة الروس أفيغدور ليبرمان بأن “هؤلاء يستحقون ما يحصل لهم، وبأنهم سيدفعون ثمن ما يفعلونه”، طبعاً كل هذا يذكّر بكلام رئيسة الوزراء البريطانية المعروفة مارغريت تاتشر، والتي كانت تلقّب بالمرأة الحديدية حينما قالت عن شهيد الرأي المضرب عن الطعام لأكثر من 66 يوماً بوبي ساندس (من الجيش الجمهوري الإيرلندي، والنائب في البرلمان) بأنه “استحق ما حصل له”.
استحق الأسرى هذا الانتصار، استحقّوا أن يسجّل هذا الانتصار ضمن انتصاراتهم الكثيرة على معتقلهم (تقريباً هناك 10 إضرابات للحركة الأسيرة يمكن اعتبارها أساسية ومرحلية ومؤثرة، وكلها انتهت بالنصر للحركة الأسيرة)، ضمن منطق إثبات أنَّه من الممكن أن تكون في أقصى حالات ضعفك ومع هذا تنتصر على عدوّك وتفرض شروطك عليه وتضعه في زاويةٍ لا يحسد عليها. قد يعتقد كثيرون بأن الأسرى لأنّهم لم ينالوا حريتهم، فهم لازالوا يقبعون تحت نير السجان، بالتالي فإنَّهم خاسرون لا محالة، ومهما حققوا فإنَّ الخسران من نصيبهم. هذا المنطق الانهزامي لايمت إلى الأسرى والحركة الأسيرة بصلة، فكل مكسبٍ حققه هؤلاء الأبطال كان بعرقهم وكدّهم، ونضالهم وتضحياتهم. من يعرف انتفاضات الأسرى، وشهداءهم، كل خطوةٍ حققها هؤلاء الشجعان كانت بالصبر والأناة، وفوق كل هذا بالقوة والعزيمة.
كان انتصاراً كبيراً. يمكن قراءة الأمر على الشكل التالي: كان هذا الانتصار كبيراً فعلاً. هنا يحضر السؤال: كيف يمكن اعتباره نصراً عظيماً إذا لم نحقق إلا بضع مطالب (قد لا تتجاوز العشرة). من يسأل هكذا سؤال لا يعرف الكثير بالتأكيد عن الحياة داخل زنزانات العدو، فمطالب الأسرى تمحورت حول أمورٍ تكاد تكون بديهية (كزيارة الأهل لمدة أكثر من 40 دقيقة، أو إمكانية التصوير معهم، أو وجود هاتف عمومي في المعتقل، أو زيارة أقارب من الدرجة الثانية). هذه الأمور البديهية والحياتية واليومية، كانت ممنوعةً عن الأسرى، واستلزم الحصول عليها شهداء و1800 أسير مضربين عن الطعام معرضين حياتهم للخطر الحقيقي والمخيف، خصوصاً إذا ما علمنا بأنَّ هؤلاء الأبطال لايستطيعون –حتى اللحظة- استهلاك الطعام “الجامد” لأن أجسادهم بعد كل هذه الفترة الطويلة من الصيام قد أخذت “بأكل نفسها” والتعوّد على “عدم تقبّل” أي حركة في الجهاز الهضمي (ناهيك عن كثيرٍ من حالات الاختناق بالطعام، أو إغلاق الأمعاء أو المعدة وما شابه).
على الجانب الآخر، يحاول كثيرون إثارة موضوع البعد السياسي للأمر، أي نقاش ما إذا كان مروان البرغوثي يستحق أن يكون واجهة الإضراب وقيادته، أو إذا ما كان أحمد سعدات هو الأحق، وسواهما طبعاً؛ أضف إلى هذا نقاش ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستحاول جني انتصارٍ سياسي على خصومها، ومظهرته محلياً/عربياً/دولياً للقول بتمام قوتها ودوامها. كل هذه الأمور/النقاشات لا تعني الأسرى، كما لاتعني قيادة الحركة الأسيرة، سواء أكنا نتحدث عن البرغوثي أو سعدات أو أي قيادي في تلك الحركة القوية والتي لطالما كانت الدرع الواقي للشعب الفلسطيني، كما الرافد الأساسي للحركات المقاومة والانتفاضات الفلسطينية بمواجهة العدو. لا يعني الأسرى أبعاداً سياسية وانتصاراتٍ “وهمية” خارج انتصاراته في المواجهات المباشرة واليومية مع الصهاينة وإدارات السجون.
باختصار؛ ما فعله الأسرى لم يكن أمراً عادياً، كان انتصاراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هذا الأمر لا يحتاج كثيراً من شرح، فإذا ما وجد أحدٌ يناقش الأمر، فهذا يعني مباشرةً بأنَّ بوصلة هذا الشخص في مكانٍ آخر: ليست فلسطين بالتأكيد. فليس في فلسطين من يناقش من هم الأسرى، وماذا فعلوا، ومن يكونون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف