أحمد بان
خطة داعش لهدم الدولة المصرية
هدفهم إسقاط الدولة المصرية، هكذا صرح الرئيس السيسي بوضوح في أعقاب حادث المنيا الإجرامي، الذي أودى بحياة أكثر من 29 مواطنًا مصريًّا ما بين طفل ورجل وامرأة.
تصور البعض أن الرئيس يبالغ في وصف خطورة الأمر، أو أنه يبرر ضربات قام بها ـ أثناء كلمته ـ سلاح الجو المصري لبعض مواقع الإرهاب في ليبيا وتواصلت بعدها.
لكن الحقيقة أن هدف داعش بالفعل هو هدم الدولة المصرية وإسقاطها، والدليل ليس فقط تواتر عمليات التنظيم بحق إخواننا الأقباط، خصوصًا منذ ديسمبر من العام الماضي، عندما أقدم التنظيم، عبر عنصر انتحاري من عناصره، على تفجير نفسه في الكنيسة البطرسية في العباسية، ثم بعدها تنفيذ هجوم متزامن في أبريل من هذا العام في كنيستين في طنطا والإسكندرية، وأخيرًا استهداف رحلة لبعض الأقباط كانت متجهة لأحد الأديرة في صحراء المنيا.
الدليل الناصع على أن التنظيم يخطط بوعي وعمق لمصر، هو تلك الوثيقة التي كتبها أبومودود الهرماسي، أحد منظري داعش، والتي نشرها موقع مؤسسة البتار الإعلامية بعنوان سر الأحجية المصري أو اللغز المصري، منذ شهر تقريبًا.
بدأت الوثيقة بالتأكيد على أهمية مصر وموقعها في السياسة الدولية، ودورها في استقرار العالم بالقول: «تظل مصر محور اهتمامات الناس؛ القاصي والداني الشرقي والغربي البر والفاجر المسلم والكافر، فهي رمانة ميزان الاستقرار للغرب الكافر ببلاد المسلمين، ومنطلق فوضى الانهيار العالمي، لذلك هي أم الدنيا، فعند استقرارها تستقر الدنيا وعند انشطارها تنشطر الدنيا، وهنا تكمن أحجية الساسة والعامة من مثقفين وسياسيين ومنظرين».
ثم يتساءل: هل أمريكا تريد مصر مستقرة بالحفاظ على موازين القوى فيها بين مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، أم تدعم أمريكا مشروع الفوضى الخلاقة نحو هدم الدولة المصرية، عبر حرب من حروب الجيل الرابع وهي الاقتتال الأهلي بين فصائل وأطياف الشعب المصري؛ لتحقيق التفتيت الطائفي والجغرافي لمصر، هنا يبدو التنظيم واعيًا بمكان مصر وتأثيرها، كما يبدو واعيًا بأدوات تفجير أي دولة مستقرة من الداخل، استنادًا إلى تجربته في سوريا والعراق، وهو واع بأن الإرادة الأمريكية ليست هي الإرادة الوحيدة الفاعلة، بل تزاحمها ـ على حد تعبيره ـ إرادات روسيا وإيران والصين والعرب والأفارقة، وأخيرًا إسرائيل.
ومن بين كل تلك الإرادات التي يعددها، يرى أن إرادة داعش هي الأقوى والأكثر تأثيرًا في المشهد، وهي التي تستطيع أن تكون الفاعل الأسرع.
هنا تبدو الإجابة: لماذا استهداف الأقباط؟
التنظيم يرى أنه في مصر يعيش مرحلة شوكة النكاية والإنهاك، بحسب استراتيجية داعش التي فصلها أبو بكر الناجي في كتابه «إدارة التوحش».
ويقترح وسائل لتحقيق أهداف تلك المرحلة يسميها خطوات النكاية والإنهاك، التي تمر عبر إثارة الفوضى بين الجهات المنوطة بحمل السلاح في تصوره، وهي الجيش والشرطة والنصارى والبلطجية، باستدراج عناصر منها لعمل عمليات ضد فريق آخر، وتأليب عناصر منها لعمل عمليات ضد فريق آخر، وتأليب فريق على آخر بالإعلام الذي يدرك التنظيم تأثيره.
هل يشرح ذلك دعاوى البعض بتسليح الأقباط لحماية أنفسهم ما دامت الدولة غير قادرة على حمايتهم؟ هل يصعب أن نفهم أن استهداف الأقباط والحرص على استفزازهم بشكل متواتر يخرج عن هذه الخطة؟
تنتقل الخطة إلى محور آخر، وهو إنهاك الدولة بإسقاط منظومة المال، باستهداف البورصة والبنوك والمنظومة المالية، حيث يرى أن الدولة مأزومة بفعل دين داخلي تجاوز اثني ترليون جنيه، ودين خارجي متزايد وتضخم، ستعجل بسقوطها مع استهداف البنية الأساسية من محطات وقود وكهرباء، والتركيز على محطات الخدمة التابعة للقوات المسلحة.
يتصل بوسائل الخطة أيضًا استثارة سكان المناطق الحدودية والقبلية، ويحدد مطروح ووادي النطرون، ويحاول أن يركز على هذه المنطقة، بالنظر إلى أن عمق ولاء القبائل في هذه المنطقة للدولة المصرية، حيث يحتل الجيش المصري في وعيهم مكانة خاصة تقف حجر عثرة أمام مرور مجموعات داعش من الغرب، حيث فرع التنظيم في ليبيا، الذي يبدو أنه يشغل مكانًا مهمًّا في استراتيجيات التنظيم المرتبطة بهذه الخطة التي لم تهمل وسائل أخرى؛ مثل ضرورة تجنيد الطلبة بالجامعات الخاصة والأجنبية، وتسميم آبار المياه أو دس عبوات مياه معدنية مسممة لقوات الشرطة والأكمنة.
ثم يؤكد استهداف الأقباط بشكل كامل، حيث يعتبر أن إشعال فتنة طائفية هي البوابة السحرية للفوضى الأمنية والسياسية التى صنعت صعوده في العراق وسوريا.
الخطة خطيرة وتبدو الحوادث الأخيرة ترجمة أمينة لخطوطها، بما يعني أن الأمر جد خطير يستدعي مقاربة مختلفة لما يجرى الآن.
المسألة تتجاوز حماية الأقباط وتجمعاتهم، فهم مصريون وستحميهم أجساد المسلمين التي ستصطف معهم في كل ساحة وميدان وكنيسة.
لابد أن يدرك الجميع أننا أمام حرب وجودية لن يخوضها الأمن بمفرده، ولن تنجح فيها المواجهة الأمنية بمعزل عن المقاربة الشاملة، التي تعي أن الإرهاب والتطرف هما المولود الشرعي للفساد والاستبداد، وأن الحكم الرشيد هو الذي سيقطع الطريق على دعاوى التطرف والإرهاب، ويفشل خططه في إسقاط الدولة.