عندما خرج المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الدين الإسلامى، كانوا يعلمون أنهم سيفتحون بلاداً كثيرة عرفت الحضارة منذ آلاف السنين، وربما كانت مصر على رأس هذه القائمة.. فما كاد الفتح الإسلامى لمصر يتمّ، حتى أدرك المسلمون أنهم أمام شعب أصيل مستقر، فعاملوه باحترام، ولم يتعرضوا لعقيدته وتقاليده، واستوعبوا حضارته وحضارة شعوب الأقطار المفتوحة الأخرى، واستفادوا منها فى تأسيس حضارة جديدة، هى الحضارة الإسلامية.. أعظم ما عرفته البشرية فى العصور الوسطى.. بل فى كل العصور!
ففى عهد الدولة الأموية.. تولى مصر أشهر والٍ لها من بعد عمرو بن العاص.. الذى لا تعود شهرته إلى أعماله.. وإنما تعود إلى أنه والد أهم خلفاء الدولة الأموية.. ففى العام ٦٥ هجرية.. تولى حكم مصر عبدالعزيز بن مروان.. ذلك الأمير الأموى الذى يعود إليه فضل بناء مدينة من أقدم وأهم المدن المصرية.. مدينة حلوان!.. والذى خرج من أولاده أعدل من حكم المسلمين بعد الخلفاء الراشدين حتى لقب بخامسهم.. الخليفة عمر بن عبدالعزيز!
إنه عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصى.. وعند عبدمناف يلتقى نسب عبدالعزيز بن مروان مع الرسول عليه الصلاة والسلام.. أبوه مروان بن الحكم رابع خلفاء بنى أمية.. وقد عمل رئيساً للديوان فى عهد عثمان بن عفان.. ثم أميراً للمدينة فى عهد معاوية!
كان هم عبدالعزيز بن مروان منذ أن تولى حكم مصر أن يعامل الأقباط معاملة طيبة.. ولما لاحظ أنهم يتجنبون السكن فى الفسطاط العاصمة الإسلامية الأولى لمصر.. اتخذ بن مروان القرار الأهم.. لقد قرر أن يبدأ فى بناء مدينة جديدة لتكون للمصريين كلهم.. فبنى حلوان فى مكانها الحالى.. ونقل إليها بيت المال وكان الأمين عليه رجلاً قبطياً.. وطلب عبدالعزيز إلى الأقباط أن يبنوا لهم دوراً بمدينته الجديدة ليصبحوا جيراناً للمسلمين فيها.. ولكى يحبِّب إليهم سُكناها طلب من البطريرك المصرى بناء كنيسته فيها.. وقد كان.. فأصبحت أول عاصمة لمصر تحمل مسجداً وكنيسة متجاورين!
كان عبدالعزيز بن مروان مهتماً بالزراعة.. وينسب إليه بناء مقياس حلوان لمعرفة الزيادة والنقصان فى منسوب النيل وقتها.. كما عرف عنه أنه كان بسيطاً ودوداً فى معاملته للمصريين.. لقد كان القدر يحمل لمصر أن تكون مهداً لأول مدينة بنيت خصيصاً لجمع الديانات كلها فى مكان واحد.. ولا تزال.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية