< «والله ما تكفى علبتين دواء للضغط والقلب» هكذا بادرنى بصوته المخنوق وهو يحدثنى عن العلاوة الجديدة لأصحاب المعاشات، يشكو لى همومه، ويبوح لى بغضبه، وثورته على الحكومة ورئيسها؛ لأنها مازالت بعيدة كل البعد عن معاناة نحو 10 ملايين مصرى، يتقاضون معاشات هزيلة ومهينة، تقتل الكبرياء، وتهدر الكرامة، وتلقى بهم فى مفرمة الغلاء.
< قال الذى أمضى 36 عاما فى صناعة الأجيال، ويعانى من كل الأمراض (سكر وضغط وكولسترول وكبد والخ): الحكومة عاملة زفة كدابة بالـ15 %، ولو أن وزيراً منها عاش يوماً واحداً من أيامنا السوداء لقرر الانتحار.
وأضاف الموجوع فى معاشه، الذى لا يزيد على 1490 جنيها «فى رقبتى ثلاث بنات، فى مراحل دراسية مختلفة، وابن تخرج قبل 4 سنوات من كلية التجارة، ومازال عاطلا، ذاق الأمرين؛ حتى يعثر على وظيفة، ولم يجدها حتى فى القطاع الخاص، ويجلس الآن بجوارى؛ بعد أن أدمت يديه وقدميه خلطة الأسمنت والرمل، كان يتولى عجنها وتجهيزها ومناولتها لجارنا مبيض المحارة مقابل أجرة 90 جنيهاً يومياً، يساعدنى بها على مواجهة ذل الحياة».
< كاد الرجل يبكى، وهو يحكى عن الضغوط الاجتماعية التى يعيشها، وكيف أنه أصبح فى عيون بناته عاجزاً عن توفير وجبة إفطار، وليس فستان العيد، وتدبير فلوس الدروس الخصوصية، وأقسم لى أنه وزوجته المريضة يتظاهران بالسحور، ويصومان بدونه حتى يكفى الأبناء. شعرت بالقهر لفئة تتعذب مادياً ونفسياً بقانون ظالم لم يتغير منذ عشرات السنين، تعاملهم الحكومة كخيولها مريضة لم يعد منها نفعاً وتستحق الرمى بالرصاص!
< 130 جنيهاً حداً أدنى و170 حداً أقصى، هدية ما بعدها هدية، لفئة تدين الحكومة بأكثر من 600 مليار جنيه، ولا أدرى كيف حسبوها وأقروها جهابذة الحكومة، وسط غلاء فاحش يقصم ظهور من يتقاضى راتباً أكثر من خمسة أو سبعة آلاف جنيه، فما بالك بمن يبدأ معاشه بـ500 أو 900 جنيه أو حتى 1200 جنيه، وفى رقبته كوم لحم.
< إنها وربى مأساة، تخيفنى من يوم سأتعرض فيه لا محالة لهذه المحنة الكبرى، التى يعيشها هذا التربوى الفاضل.. ولكن ما العمل وميزانية الدولة خربانة؟ هكذا تأتى إجابة الحكومة، عندما يطالبها مظاليم المعاشات بزيادة محترمة توازى على الأقل نسبة التضخم التى تزيد على 31 %.
< أتمنى من أعضاء مجلس النواب الموقرين، أثناء مناقشة قرار الحكومة، إنصاف هؤلاء الذين يمثلون وأسرهم 40 % من الشعب المصرى، ويكابدون المرض والجوع ويقتربون من حافة التسول، فهم بشر من لحم ودم، ومصريون شرفاء، كرجال الشرطة والجيش والقضاء، الذين تضاعفت معاشاتهم. فاللواء المتقاعد على سبيل المثال معاشه لا يقل عن 5000 آلاف جنيه، ووكيل أول الوزارة مازال 1750 جنيهاً.
< إن هؤلاء المظاليم يستحقون زيادة لا تقل عن 30 %، وبحد أدنى 250 جنيهاً، لحفظ كرامتهم وآدميتهم، وصحتهم. ويجب الإسراع فورا لوضع حد أدنى للمعاش ورفع الأجر التأمينى، وصرف التسويات المتأخرة لمن خرجوا مبكرا لظروف قهرية، وإعادة أموال صناديق التأمينات الاجتماعية المنهوبة. ومع احترامى للجميع، ليس من المعقول أن يحصل مدير عام أو وكيل وزارة أو تربوى فاضل على معاش لا يساوى معاش خفير الشرطة ولا أجر بواب.