الحشاشون هم طائفة إسماعيلية «شيعية» انشقت عن الفاطميين لتدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله الفاطمى ومن جاء مِن نسله.. أسسها الحسن بن الصباح الملقب بـ «شيخ الجبل» الذى اتخذ من قلعة «الموت» فى فارس مركزًا لنشر دعوته.. وتميزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية.. وكلمة الحشاشين Assassin دخلت فى الاستخدام الأوروبى للغة بمعنى القتل خلسة أو غدراً أو بمعنى القاتل المحترف المأجور.
• النشأة
نشأت الدعوة «الإسماعيلية النزارية» بصورة خاصة فى المشرق الإسلامى.. وكان أنصارها يعرفون فى التاريخ بـ «الباطنية» أو«الحشاشين» وتعود جذور الدعوة النزارية إلى سنة 487 هجرية حين توفى الخليفة الفاطمى المستنصر دون أن يبايع لابنه الأكبر نزار رغم أنه أبدى رغبته فى ذلك فى أواخر أيامه إلا أن حاشيته وعلى رأسها أمير الجيوش الوزير بدرالدين الجمالى حالت دون ذلك.. وبويع بعد وفاة المستنصر ابنه الأصغر المستعلى بالله وبذلك انشقت الدعوة الإسماعيلية إلى شقين النزارية والمستعلية.
• شيخ الجبل!
الحسن بن الصباح الملقب بالسيد أو شيخ الجبل هو مؤسس الطائفة الإسماعيلة النزارية أو الباطنية أو الحشاشون.
وهو رجل فارسى ولد فى مدينة قم «فى إيران حاليا».. وكان شيعيا اثنى عشريا.. ثم انتقل مع عائلته وهو طفل صغير إلى مدينة الرى «بالقرب من مدينة طهران» وهى من المراكز التى كان ينتشر فيها دعاة الإسماعيلية وكان حاد الذكاء والفطنة كما يقول ابن الأثير فى تاريخه.
ويقول الحسن بن الصباح فى أوراق كتبها بنفسه يتحدث فيها عن أيام الصبا: إنه التقى فى الرى بأحد زعماء الإسماعيليه وهو «عبدالملك بن عطاش» وهو كبير الدعاة الإسماعيلية فى إيران ثم طلب من الحسن بن الصباح ضرورة السفر إلى القاهرة لمقابلة الخليفة الفاطمى ومكث فيها ثلاث سنوات متنقلا بين القاهرة والإسكندرية.
• الصباح فى مصر!!
كانت الدولة الفاطمية فى تلك الفترة تعانى الكثير من المتاعب والفوضى الداخلية والخارجية والمجاعات.. الأمر الذى أجبر الخليفة الفاطمى المستنصر بالله على الاستعانة بواليه على عكا بدر الدين الجمالى.. وإعطائه الصلاحيات المطلقة.. نجح بدر الدين فى تخليص الدولة إلا أنه استبد بالحكم حتى أصبح هو الحاكم الفعلى للدولة من دون الخليفة.
بلغت سطوة بدر الجمالى أن عهد بالوزارة لابنه الأفضل شاهنشاه الذى كان يشاركه فى أعمال الوزارة فلما توفى بدر فى جمادى الأولى «487 هـ - 1094م» خلفه ابنه فى الوزارة.. وأقره الخليفة على منصبه.. ثم لم يلبث أن توفى المستنصر بعد ذلك بشهور.. وكان الخليفة المستنصر قد سمى أكبر أولاده «نزار» المصطفى لدين الله خلفا له فى الإمامة والخلافة.. إلا أن الوزير الأفضل كانت له خطط أخرى.. فسارع للتحرك عقب وفاة الخليفة المستنصر مباشرة فقام بتنصيب الأخ غير الشقيق لنزار «أحمد» على رأس العرش الفاطمى ولقبه بالمستعلى بالله.. وهو ابن أخت الوزير الأفضل.. وسارع نزار إلى الفرار إلى الإسكندرية وأعلن من هناك انشقاقه على أخيه «المستعلي» وتقدمت قواته إلى مشارف القاهرة إلا أنها ما لبثت أن تعرضت لهزيمة كبيرة وقع على أثرها «نزار» فى أيدى جنود الأفضل فسجن وقتل.
وكان الخليفة المستنصر قد أبلغ حسن بن الصباح أن الإمام من بعده سيكون «نزار».. لذلك فهو لم يتردد فى تأييد قضية «نزار».. واعتبر المستعلى بالله غاصبا للخلافة والإمامة واتبعه بذلك جل الإسماعيليين فى فارس.. وبايع الحسن بن الصباح نزار وابنه الهادى من بعده على الإمامة ليُعرفوا فيما بعد بالإسماعيلية النزارية.
وبسبب هذا الخلاف سجن الافضل الجمالى حسن بن الصباح.. ثم طرده من مصر على متن مركب للأفرنج إلى شمال إفريقيا.. لكن المركب غرق ونجا بن الصباح فنقلوه إلى سوريا ثم تركها ورحل إلى بغداد ومنها عاد إلى أصفهان يحمل روح الانتقام وروح نشر الدعوة الجديدة وهى دعوة «الإسماعيلية النزارية».
• أول ظهور لكلمة «الحشاشين»
أقدم ظهور كتابى لمصطلح «حشيشية» أو «الحشاشين» على النزاريين نجده فى الرسالة التى كتبها الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله سنة 1123 ميلادية، والمرسلة إلى الإسماعيليين فى الشام بعنوان «إيقاع الصواعق الإرغام» وكان الهدف من هذه الرسالة نقض مزاعم «نزار» المصطفى لدين الله بالإمامة وتأكيد شرعية الخليفة فى مصر.
وتمّت الإشارة إلى النزاريين مرة أخرى بالحشاشين فى أقدم كتاب سلجوقى معروف للأخبار كتبه سنة 1183م عماد الدين الأصفهانى فى كتابه «نصرة النصرة» من دون تقديم معنى اشتقاقى للكلمة.. وقد استخدم مصطلحات أخرى للقذف فيهم مثل الباطنية والملاحدة.
• ذكر قتل الباطنية
يذكر ابن الأثير فى كتابه الكامل فى التاريخ:
فى سنة 494 فى شعبان أمر السلطان بركيارق بقتل الباطنية وهم الإسماعيلية وهم الذين كانوا قديماً يسمون قرامطة.
وأول ما عرف من أحوالهم أعنى هذه الدعوة التى اشتهرت بالباطنية والإسماعيلية فى أيام السلطان ملكشاه، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً فصلوا صلاة العيد فى ساوة ففطن بهم الشحنة - رئيس الشرطة - فأخذهم وحبسهم، ثم سئل فيهم فأطلقهم، فهذا كان أول اجتماع لهم، ثم إنهم دعوا مؤذنا من أهل ساوة كان مقيماً بأصبهان فلم يجبهم إلى دعوتهم فخافوا أن ينم عليهم فقتلوه، فهو أول قتيل لهم وأول دم أراقوه فبلغ خبره إلى نظام الملك فأمر بأخذ من يتهم بقتله فوقعت التهمة على نجار اسمه طاهر فقتل ومثل به وجروا برجله فى الأسواق فهو أول قتيل منهم، وكان والده واعظاً وقدم إلى بغداد مع السلطان بركيارق سنة ست وثمانين وأربعمائة، فحظى منه ثم قصد البصرة فولى القضاء بها ثم توجه فى رسالة إلى كرمان فقتله العامة فى الفتنة التى جرت، وذكروا أنه باطنى ثم إن الباطنية قتلوا نظام الملك وهى أول واقعة قتل مشهورة كانت لهم وقالوا: قتل نجاراً فقتلناه به!!، وأول موضع غلبوا عليه وتحصنوا به بلد عند قاين كان متقدمه على مذهبهم فاجتمعوا عنده وقووا به فاجتازت بهم قافلة عظيمة من كرمان إلى قاين فخرج عليهم ومعه أصحابه والباطنية، فقتل أهل القافلة أجمعين، ولم ينج منهم غير رجل تركمانى فوصل إلى قاين فأخبر بالقصة. فتسارع أهلها مع القاضى الكرمانى إلى جهادهم فلم يقدروا عليهم ثم قتل نظام الملك ومات السلطان ملكشاه فعظم أمرهم واشتدت شوكتهم وقويت أطماعهم. وكان سبب قوتهم بأصبهان أن السلطان بركيارق لما حصر أصبهان وبها أخوه محمود وأمه خاتون الجلالية وعاد عنها ظهرت مقالة الباطنية بها وانتشرت وكانوا متفرقين فى البلاد فاجتمعوا وصاروا يسرقون من قدروا عليه من مخالفيهم ويقتلونهم، فعلوا هذا بخلق كثير وزاد الأمر حتى إن الإنسان كان إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد تيقنوا قتله وقعدوا للعزاء به، فحذر الناس وصاروا لا ينفرد أحد.. وأخذوا فى بعض الأيام مؤذنا أخذه جار له باطنى فقام أهله للنياحة عليه فأصعده الباطنية إلى سطح داره وأروه أهله كيف يلطمون ويبكون وهو لايقدر يتكلم خوفاً منهم.
• ذكر ما فعل بهم العامة بأصبهان
لما عمت هذه المصيبة الناس بأصبهان أذن الله تعالى فى هتك أستارهم والانتقام منهم فاتفق أن رجلا دخل دار صديق له فرأى فيها ثيابا ومداسات وملابس لم يعهدها، فخرج من عنده وتحدث بما كان فكشف الناس عنها فعلموا أنها من المقتولين وثار الناس كافة يبحثون عمن قتل منهم ويستكشفون فظهروا على الدروب التى هم فيها وأنهم كانوا إذا اجتاز بهم إنسان أخذوه إلى دار فيها وقتلوه وألقوه فى بئر فى الدار قد صنعت لذلك، وكان على باب درب منها رجل ضرير فإذا اجتاز به إنسان يسأله أن يقوده خطوات إلى باب الدرب فيفعل ذلك، فإذا دخل الدرب أخذ وقتل، فتجرد للانتقام منهم أبوالقاسم مسعود بن محمد الخجندى الفقيه الشافعى، وجمع الجم الغفير بالأسلحة وأمر بحفر أخاديد وأوقد النيران وجعل العامة يأتون بالباطنية أفواجاً ومنفردين فيلقون فى النار وجعلوا إنسانا على أخاديد النيران وسموه مالكاً فقتلوا منهم خلقاً كثيرا.
• ذكر قلاعهم التى استولوا عليها ببلاد العجم
واستولوا على عدة حصون منها قلعة أصبهان وهذه القلعة لم تكن قديما وإنما بناها السلطان ملكشاه وسبب بنائها أنه كان قد أتاه رجل من مقدمى الروم فأسلم وصار معه فاتفق أنه سار يوما إلى الصيد فهرب منه كلب الصيد وصعد هذا الجبل فتبعه السلطان والرومى معه فوجده موضع القلعة فقال له الرومى لو أن عندنا مثل هذا الجبل لجعلنا عليه حصناً ننتفع به فأمر ببناء القلعة، ومنعه من ذلك نظام الملك فلم يقبل قوله فلما فرغت جعل فيها حاكما فلما انقضت أيام السلطان ملكشاه وصارت أصبهان بيد خاتون أزالت الحاكم وجعلت غيره فيها وهو إنسان ديلمى اسمه زيار، فمات وصار بالقلعة إنسان خوزى فاتصل به أحمد بن عطاش وكان الباطنية قد ألبسوه تاجاً وجمعوا له أموالاً وقدموه عليهم مع جهله وإنما كان أبوه مقدماً فيهم، فلما اتصل بالحاكم بقى معه ووثق به وقلده الأمور فلما توفى حاكمها استولى أحمد بن عطاش عليها ونال المسلمين منه ضرر عظيم من أخذ الأموال وقتل النفوس وقطع الطريق والخوف الدائم، فكانوا يقولون: إن قلعة يدل عليها كلب ويشير بها كافر لابد أن يكون خاتمة أمرها الشر.
ومنها آلموت وهى من نواحى قزوين قيل: إن ملكاً من ملوك الديلم كان كثير التصيد فأرسل يوماً عقابا وتبعه فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة فوجدت موضعا حصينا فأمر ببناء قلعة عليه فسماها إله موت ومعناه بلسان الديلم تعليم العقاب - أو عش النسر - ويقال لذلك الموضع وما يجاوره طالقان، وفيها قلاع حصينة أشهرها آلموت.
وكانت هذه النواحى فى ضمان شرفشاه الجعفرى، وقد استناب فيها رجلاً علوياً فيه بله وسلامة صدر وكان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً كافياً عالماً بالهندسة والحساب والنجوم والسحر وغير ذلك، وكان رئيس الرى إنسانا يقال له أبومسلم وهو صهر نظام الملك فاتهم الحسن بن الصباح بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه فخافه ابن الصباح وكان نظام الملك يكرمه وقال له يوما من طريق الفراسة: عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام. فلما هرب الحسن من أبى مسلم طلبه فلم يدركه وكان الحسن من جملة تلامذة ابن عطاش الطبيب الذى ملك قلعة أصبهان، ومضى ابن الصباح فطاف البلاد ووصل إلى مصر ودخل على المستنصر صاحبها فأكرمه وأعطاه مالاً وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته، فقال له الحسن: فمن الإمام بعدك فأشار إلى ابنه نزار وعاد من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر والروم، ورجع إلى خراسان ودخل كاشغر وما وراء النهر يطوف على قوم يضلهم، فلما رأى قلعة آلموت واختبر أهل تلك النواحى أقام عندهم وطمع فى إغوائهم ودعاهم فى السر وأظهر الزهد ولبس المسح - رداء يعبر عن التقشف - فتبعه أكثرهم والعلوى صاحب القلعة حسن الظن فيه يجلس إليه يتبرك به، فلما أحكم الحسن أمره دخل يوما على العلوى بالقلعة فقال له ابن الصباح: اخرج من هذه القلعة فتبسم العلوى وظنه يمزح فأمر ابن الصباح بعض أصحابه بإخراج العلوى فأخرجوه إلى دامغان وأعطاه ماله وملك القلعة. ولما بلغ الخبر إلى نظام الملك بعث عسكرا إلى قلعة آلموت فحصروه فيها وأخذوا عليه الطرق فضاق ذرعه بالحصر فأرسل من قتل نظام الملك فلما قتل رجع العسكر عنها. ثم إن السلطان محمد بن ملكشاه جهز نحوها العساكر فحصرها.
• قلعة «آلموت»!!
هى قلعة ذات حصانة ومناعة وعندما استولى عليها حسن بن الصباح دخلها ولم يخرج منها طوال 35 عاما حتى هلك وأخذ أتباعه يستولون على كثير من القلاع المنيعة لكى يتخذوها مراكز لبث سمومهم حتى بلغ عدد هذه القلاع فى أخريات أيام دولة الحشاشين أكثر من 100 قلعة وهذه القلاع كانت فى غاية التحصين ولكن القلعه الأم كانت «قلعة آلموت».
وتقع هذه القلعة فى حصن جبلى موجود بوسط جبال البرز أو جبال الديلم جنوب بحر قزوين.. تبعد حوالى 100كم عن العاصمة طهران حاليا.
وهذه القلعة بنيت فى وقت قديم لا أحد يعرف تاريخ بنائها وتقول بعض الروايات إن الذى بناها هو أحد أمراء الديلم هذا الأمير كان ذاهبا فى رحلة صيد مع جماعته وكان يأخذ معه الصقور والنسور المدربة على الصيد وفى أثناء إطلاقه لأحد النسور على إحدى الطرائد ارتفع هذا النسر الكبير الجارح وحط على صخرة هائلة صخرة ضخمة هذه الصخره تعتلى إحدى قمم جبال تسمى البرج وجبال البرج هذه فى الشمال الغربى من إيران ولذلك قرر هذا الأمير أن يبنى القلعة على هذه الصخرة وأسمها آلموت وتعنى «عش النسر».
وهى ترتفع عن سطح البحر بـ 6 آلاف قدم ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممر ضيق ومتعرج شديد الانحدار.. وهذه القلعة رغم حصانتها ومناعتها تسد مدخل واد مغلق طول هذا الوادى قرابة الـ 48 كلم وعرض هذا الوادى قرابة الـ 5 كلم وهو صالح للزراعة.
وهذه قصة يذكرها برنارد لويس فى كتابه «الحشاشون» عن كيفية استيلاء حسن بن الصباح على قلعه الموت - ويتفق معه جزئيا فيها ابن الأثير- فيقول: كانت القلعة فى يد علوى آخر يدعى مهدى كان قد منحها له السلطان السلجوقى.. وأعد حسن الصباح خطة محكمة للاستيلاء على قلعة الموت فقد استقر فى مدينة «دمغان» وأخذ يرسل الدعاة للعمل فى القرى المحيطة بالقلعة ثم - كما يقول الصباح فى شذرات ترجمة حياته - ومن قزوين أرسلت الدعاة مرة أخرى إلى قلعة آلموت.. وأمكن كسب بعض الرجال فى القلعة للعقيدة الإسماعيلية بواسطة الدعاة وهؤلاء حاولوا تحويل العلوى صاحب القلعة نفسه وتظاهر هو بأنهم كسبوه إلى جانبهم، ولكنه بعد ذلك تحايل على إرسال جميع المتحولين إلى الخارج ثم أغلق أبواب القلعة وقال إنها تخص السلطان وبعد مناقشات كثيرة سمح لهم بالدخول وبعد ذلك رفضوا أن ينفذوا أوامره بالخروج مرة أخرى.
وبعد أن نجح حسن الصباح فى زرع انصاره داخل القلعة غادر قزوين إلى مشارف آلموت حيث مكث مختبئا بعض الوقت إلى أن تمكن أنصاره من تهريبه سرا إلى داخل القلعة وظل فترة أخرى من الوقت متخفيا داخلها ولكن شخصيته لم تلبث أن أميط عنها اللثام فى الوقت المناسب وتحقق المالك القديم للقلعة مما حدث ولكنه أسقط فى يده ولم يستطع أن يفعل شيئا لوقف مجرى الأحداث أو تغييرها وسمح له حسن بمغادرة القلعة وأعطاه - طبقا لقصة يوردها المؤرخون الفرس - مبلغا قدرة 3000 دينار ذهبى ثمنا للقلعة.. وبذلك أصبح حسن الصباح سيدا لقلعة آلموت!!
• حديقة الشيطان!!
أقام هذا الداهية الحسن بن الصباح فى قلعة ألموت المزارع والحدائق التى تخلب الألباب فى شكل درجات بعضها فوق بعض وفى إحدى هذه الحدائق الموجودة فى تلك الأماكن التى لا يصل اليها إنسان قام بزراعة النباتات الجميلة والأزهار المتنوعة وأشجار الفواكه الشهية ثم بحيلة ماكرة جدًا - لأنه كما يقول ابن الأثير على دراية بعلوم الهندسة والبناء- أجرى أنهارًا صناعية صغيرة من اللبن والعسل والخمر والماء الزلال.. وفكرتها أن اللبن أو الخمر أو العسل يسير فى دورة مغلقة بكمية ليست كثيرة ولكن عندما تدور فى دورة مغلقة يخيل للرائى أنها تأتى من معين لا ينضب.. وعن كيفية حصوله على الخمر والعسل واللبن، فكانت هناك المناحل الكثيرة والكروم وآلاف الماشية والأغنام وهى موجودة فى هذا الوادى الخصب المغلق المحيط بقلعة آلموت!!
• ماركو بولو وقلعة الشيطان!!
الأوروبيون مغرمون بالشرق ومخيلتهم الخصبة أبدعت فى وصف طائفة الحشاشين.. وزخرت كتبهم بالكثير من الأساطير حولهم فنجد قصة الرحالة الإيطالى ماركو بولو عرفت بـ«أسطورة الفردوس» وصفا لقلعة الموت يقول فيه: كانت بها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة.. وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء.. وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى.. حتى يوهم شيخ الجبل أتباعه أن تلك الحديقة هى «الجنة»(!!).. وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها.. وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين.. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة فى مجموعات.. ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش.. ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا فى الحديقة.. وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة.. وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى.. ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل.. فيركعون أمامه.. ثم يسألهم من أين أتوا؟!.. فيردون: «من الجنة»(!!).. بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين.. ويعدهم أنهم إذا نجحوا فى مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى.. وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتى إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة!!
ويقول برنارد لويس: الحسن بن الصباح وكبار معاونيه كانوا يحرصون على أخذ الصبية الصغار ويعلمونهم مبادئ الإسماعيلية وتعاليمها ثم بعد ذلك يعلمونهم فنون المكر والخداع والشعوذة وكذلك فنون الاغتيال بالخنجر والسكين وفنون القتل بالسم وهم فى أثناء مراحل التعليم هذه يجعلونهم يتناولون نبات القنب الهندى المعروف بالحشيش.. ويقوم بقطع المخدر عنه فيصبح كالحيوان المجنون وعلى استعداد لعمل أى شىء حتى ولو كان القتل!!
وبذلك يكونون على استعداد تام ومطلق لتنفيذ ما يطلب منهم وبدون أى تردد وكان الهدف الأول من إعدادهم لتنفيذ أعمال الاغتيال الانتحارية ولذلك كان يسميهم الحسن بن الصباح بالفدائيين أما بقية المسلمين، فإنهم يسمونهم بالحشاشين نسبة لتعاطيهم الحشيش.. وكانت تلك الكلمة فى هذه الأيام تثير الذعر والهلع فى قلب أشجع الشجعان لأن هؤلاء ما هم إلا آلات قتل متحركة مسلوبة الإرادة.. وهناك الكثير من المؤرخين يشككون فيما قاله الرحالة ماركو بولو عن هذه الطائفة!!
• الفدائيون والاغتيال الانتقائى!!
كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التى يقوم بها «الفدائيون» الذين لا يأبهون بالموت فى سبيل تحقيق هدفهم.. وكان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب فى قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم.. ويمتازون بالتهور وبالقوة الجسمانية.. وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً فى ذلك الوقت.
وتمثلت هذه الاستراتيجية فى الاغتيال الانتقائى للشخصيات البارزة فى دول أعدائهم بدلا من الخوض فى المعارك التقليدية التى تؤدى إلى إيقاع آلاف القتلى من الجانبين.. ولذلك كانت فرقة الفدائيين متكونة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية.
وكان الفدائيون مدربين بشكل احترافى على فنون التنكر والفروسية والسلاح والقتل و«اللسانيات» (!!) .. وكان اكثر ما يميزهم هو استعدادهم للموت فى سبيل تحقيق هدفهم.. حتى ولو أدى ذلك إلى الموت الذى اعتبروه أشرف نهاية لأنه يضمن لهم السعادة فى جنة الإمام (!!).. وكان الفدائيون يقومون بالاندماج فى جيش الخصم أو البلاط الحاكم بحيث يتمكنون من الوصول لأماكن استراتيجية تمكنهم من تنفيذ المهمات المنوطة بهم.
• هذا هو الجواب!!
ويقول ابن كثير فى كتابه البداية والنهاية عندما تحدث عن أهم أحداث عام 494 هجرية: »فيها عظم الخطب بأصبهان ونواحيها بالباطنيّة.. فقتل السلطان منهم خلقاً كثيراً.. وأبيحت ديارهم وأموالهم للعامَّة.. كلّ من يقدرون عليه فلهم قتله وماله وكانوا قد استحوذوا على قلاع كثيرة.. وكان حسن الصباح قد دخل مصر وتعلَّم من الزنادقة الذين كانوا بها، ثم صار إلى تلك النواحى ببلاد أصبهان.. فكان لا يدعو إلا غبيَّاً لا يعرف يمينه من شماله.. ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز «الحبة السوداء».. حتى يحترق مزاجه ويفسد دماغه.. ثم يذكر له شيئاً من أخبار أهل البيت ويكذب له من أقاويل الرافضة الضَلال.. وأنهم ظُلِمُوا ومُنعِوا حقَّهم.. ثم يقول له: فإذا كانت الخوارج تقاتل مع بنى أميّة لعلَّى.. فأنت أحقٌ أن تقاتل فى نصرة إمامك على بن أبى طالب.. ولا يزال يسقيه من هذا وأمثاله حتى يستجيب له.. ويصير أطوع له من أبيه وأمَّه.. ويظهر له أشياء كثيرة من المخرقة والنَّيرنجات والحيل التى لا تروج إلا على الجهال.. حتى التفَّ عليه «ابن الصباح» بشر كثير وجمُّ غفير.. وقد بعث إليه السلطان ملكشاه يتهدده ويتوعّده وينهاه عن بعثه الِفداويّة إلى العلماء.. فلما قرأ الكتاب بحضرة رسول السلطان ملكشاه قال لمن حضر من الشباب: إنى أريد أن أرسل منكم رسولا إلى مولاه.. فاشرأبت وجوه الحاضرين منهم.. ثم قال لشاب منهم: اقتل نفسك.. فأخرج سكينا فضرب بها غلصمته - حلقومه - فسقط ميتا.. وقال لآخر منهم: ألق نفسك من هذا الموضع.. فرمى نفسه من رأس القلعة (!!) إلى أسفل خندقها فتقطع (!!) .. ثم قال ابن الصباح لرسول الملك: هذا هو الجواب!!
• نصر كبير للحشاشين!
وفى تلك الأثناء أحرِز الحشاشون أول نصرٍ كبير لهم.. وكانت ضحيتهم الأولى الوزير السلجوقى نظام الملك الذى كان ذا سلطة عالية فى البلاط السلجوقى.. ووزير الملك ملكشاه ومن أشد المحرّضين على الهجوم على الإسماعيليين ففى 12 رمضان 485 هـ تقدّم أحد الفدائيين الإسماعيليين وهو مُتخفٍ بثياب الصوفيين نحو محفة الوزير الذى كان محمولاً ومتجهاً إلى خيام حريمه.. فهاجم الوزير وطعنه فمات الوزير وقُتِل المهاجم!
بعد موت السلطان ملكشاه حدث صراع بين أبنائه على السلطة فقد تولى السلطة بعده السلطان بركيارق الذى كان مشغولاً تماماً بالصراع ضد أخيه غير الشقيق محمد تابار الذى كان يحظى بتأييد أخيه الشقيق سنجر.. وكان على استعداد لأن يطلب المساعدة السريّة من الإسماعيليين لمواجهة أعدائه.. فقد كان ممثلو بركيارق فى خراسان يحصلون على تأييد الإسماعيليين فى قهستان ضد الجناح المنافس.. حتى إنهم قاموا بالعديد من الاغتيالات ضد خصوم بركيارق.
• الاستيلاء على قهستان
ويقول ابن الأثير فى كتابه الكامل فى التاريخ: وكان سبب ملكهم لها أن قهستان كان قد بقى فيها بقايا بنى سيمجور أمراء خراسان أيام السامانية وكان قد بقى من نسلهم رجل يقال له المنور وكان رئيسًا مطاعًا عند الخاصة والعامة، فلما ولى كلسارغ قهستان ظلم الناس وعسفهم وأراد أختًا للمنور بغير حل فحمل ذلك المنور على أن التجأ إلى الإسماعيلية وصار معهم فعظم حالهم فى قهستان واستولوا عليها.
ومن جملة الأطراف المجاورة لها خورخوسف وزوزن وقاين وتون ومنها قلعة وسنمكوه ملكوها وهى بقرب أبهر سنة أربع وثمانين وأربعمائه، وتأذى بهم الناس لا سيما أهل أبهر فاستغاثوا بالسلطان بركيارق فجعل عليها من يحاصرها فحوصرت ثمانية أشهر وأخذت منهم سنة تسع وثمانين وأربعمائة وقتل كل من بها عن آخرهم. ومنها قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصبهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك وانتقلت إلى جاولى سقاووا فجعل بها إنسانًا تركيًا فصادقه نجار باطنى وأهدى له هدية جميلة ولزمه حتى وثق به وسلم إليه مفاتيح القلعة فعمل دعوة للتركى وأصحابه فسقاهم الخمر فأسكرهم، واستدعى ابن عطاش فجاء فى جماعة من أصحابه فسلم إليهم القلعة فقتلوا من بها سوى التركى فإنه هرب. وقوى ابن عطاش بها وصار له على أهل أصبهان القطائع الكثيرة.
ومن قلاعهم المذكورة استوناوند وهى بين الرى وآمل ملكوها بعد الملك ملكشاه نزل منها صاحبها فقتل وأخذت منه.
ومنها أردهن وملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن بن الصباح.
ومنها قلعة الناظر بخوزستان وقلعة الطنبور وبينها وبين أرجان فرسخان، أخذها أبو حمزة الإسكاف وهو من أهل أرجان سافر إلى مصر وعاد داعية لهم.
وقلعة خلادخان وهى بين فارس وخوزستان وأقام بها المفسدون نحو مائتى سنة يقطعون الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه وقتل من بها، فلما صارت الدولة لملكشاه أقطعها الأمير أنز فجعل بها دارًا فأنفذ إليه الباطنية الذين بأرجان يطلبون منه بيعها فأبى فقالوا له: نحن نرسل إليك من يناظرك حتى يظهر لك الحق، فأجابهم إلى ذلك فأرسلوا إليه إنسانًا ديلميًا يناظره وكان للحاكم مملوك قد رباه وسلم إليه مفاتيح القلعة فاستماله الباطنى فأجابه إلى القبض على صاحبه وتسليم القلعة إليهم، فقبض عليه وسلم القلعة إليهم ثم أطلقه واستولوا بعد ذلك على عدة قلاع هذه أشهرها.
• ذكر ما فعله جاولى سقاووا بالباطنية
وفى سنة 494 أيضًا قتل جاولى سقاووا خلقًا كثيرًا منهم. وسبب ذلك أن هذا الأمير كانت ولايته البلاد التى بين رامهرمز وأرجان، فلما ملك الباطنية القلاع المذكورة بخوزستان وفارس وعظم شرهم وقطعوا الطريق بتلك البلاد، واتفق مع جماعة من أصحابه حتى أظهروا الشغب عليه وفارقوه وقصدوا الباطنية وأظهروا أنهم معهم وعلى رأيهم فأقاموا عندهم حتى وثقوا بهم، ثم أظهر جاولى أن الأمراء بنى برسق يريدون قصده وأخذ بلاده وأنه عازم على مفارقتها لعجزه عنهم والمسير إلى همذان.
فلما ظهر ذلك وسار قال مَنْ عند الباطنية من أصحاب لهم رأى: إننا نخرج إلى طريقه ونأخذه وما معه من الأموال فساروا إليه فى ثلاثمائة من أعيانهم وصناديدهم فلما التقوا صار من معهم من أصحاب جاولى عليهم ووضعوا السيف فيهم فلم يفلت منهم سوى ثلاثة نفر صعدوا إلى الجبل وهربوا وغنم جاولى ما معهم من دواب وسلاح وغير ذلك.
• ذكر السبب فى قتل بركيارق الباطنية
لما اشتد أمر الباطنية وقويت شوكتهم وكثر عددهم صار بينهم وبين أعدائهم صراعات وحقد شديد، فلما قتلوا جماعة من الأمراء الأكابر وكان أكثر من قتلوا من هم فى طاعه محمد مخالف للسلطان بركيارق مثل شحنة - رئيس شرطة - أصبهان سرمز والأمراء ورغش وكمش النظاميين وغيرهم، نسب أعداء بركيارق ذلك إليه واتهموه بالميل إليهم فلما ظفر السلطان بركيارق وهزم أخاه السلطان محمدًا وقتل مؤيد الملك وزيره، انتشر جماعة منهم فى العسكر واستغووا كثيرًا منهم وأدخلوهم فى مذهبهم وكادوا يظهرون بالكثرة والقوة، وحصل بالعسكر منهم طائفة من وجوههم وزاد أمرهم فصاروا يتهددون من لا يوافقهم بالقتل، فصار يخافهم من يخالفهم حتى إنهم لم يتجاسر أحد منهم لا أمير ولا متقدم على الخروج من منزله حاسرًا بل يلبس تحت ثيابه درعًا حتى إن الوزير الأعز أبا المحاسن كان يلبس درعا من حلق حديد صغير تحت ثيابه، واستأذن السلطان بركيارق خواصه فى الدخول عليه بسلاحهم.. وعرّفوه خوفهم ممن يقاتلهم، فأذن لهم فى ذلك وأشاروا على السلطان أن يفتك بهم قبل أن يعجز عن تلافى أمرهم، وأعلموه ما يتهمه الناس به من الميل إلى مذهبهم حتى إن عسكر أخيه السلطان محمد يشنعون بذلك، وكانوا فى المصاف يكبرون عليهم ويقولون: يا باطنية فاجتمعت هذه البواعث كلها، فأذن السلطان فى قتلهم والفتك بهم وركب هو والعسكر معه وطلبوهم وأخذوا جماعة من خيامهم ولم يفلت منهم إلا من لم يعرف، وكان ممن اتهم بأنه مقدمهم الأمير محمد بن دشمنزيار بن علاء الدولة أبى جعفر بن كاكويه صاحب يزد فهرب وسار يومه وليلته، فلما كان اليوم الثانى وجد فى العسكر قد ضل الطريق ولا يشعر فقتل ونهب خيامه فوجد عنده السلاح المعد وأخرج الجماعة المتهمون إلى الميدان فقتلوا وقتل منهم جماعة براء لم يكونوا منهم سعى بهم أعداؤهم. وفيمن قتل ولد كيقبا ــ حاكم تكريت فلم يغير والده خطبة الملك بركيارق، ولكن شرع فى تحصين القلعة وعمارتها ونقض جامع البلد وكان يقاربها لئلا يؤتى منه وجعل سوق فى البلد جامعًا وصلى الناس فيه، وكتب إلى بغداد بالقبض على أبى إبراهيم الأسداباذى الذى كان قد وصل إليها رسولاً من بركيارق ليأخذ مال مؤيد الملك وكان من أعيانهم ورءوسهم فأخذ وحبس فلما أرادوا قتله قال: هبوا أنكم قتلتمونى أتقدرون على قتل من بالقلاع والمدن فقتل ولم يصل عليه أحد وألقى خارج السور، وكان له ولد كبير قتل بالعسكر معهم. وقد كان أهل عانة نسبوا إلى هذا المذهب قديمًا فأُنهى حالهم إلى الوزير أبى شجاع أيام المقتدى بأمر الله فأحضرهم إلى بغداد فسئل مشايخهم عن الذى يقال فيهم فأنكروا وجحدوا فأطلقهم واتهم أيضًا الكيا الهراس المدرس بالنظامية بأنه باطنى، ونقل ذلك عنه إلى السلطان محمد فأمر بالقبض عليه فأرسل المستظهر بالله من استخلصه وشهد له بصحة الاعتقاد وعلوّ الدرجة فى العلم فأطلق.
• ذكر حصر الأمير بزغش قهستان وطبس
فى هذه السنة أيضًا جمع الأمير بزغش وهو أكبر أمير مع السلطان سنجر جموعًا كثيرة وقواهم بالمال والسلاح، وسار إلى بلد الإسماعيلية فنهبه وخربه وقتل فيهم فأكثر وحصر طبس وضيق عليها ورماها بالمنجنيق فخرب كثيرًا من سورها وضعف من بها ولم يبق إلا أخذها فأرسلوا إليه الرشاوى الكثيرة، واستنزلوه عما كان يريده منهم فرحل عنهم وتركهم فعاودوا عمارة ما انهدم من سورها وملئوها ذخائر من سلاح وأقوات وغير ذلك، ثم عاودهم بزغش سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
• ذكر حال الباطنية بخراسان
وفى سنة 498 هجرية سار جمع كثير من الإسماعيلية من طريثيث عن بعض أعمال بيهق - بإيران حاليًا - وشاعت الغارة فى تلك النواحى وأكثروا القتل فى أهلها والنهب لأموالهم والسبى لنسائهم ولم يقفوا على الهدنة المتقدمة. وفى هذه السنة اشتد أمرهم وقويت شوكتهم ولم يكفوا أيديهم عمن يريدون قتله لاشتغال السلاطين عنهم، فمن جملة فعلهم أن قافلة الحج تجمعت هذه السنة مما وراء النهر وخراسان والهند وغيرها من البلاد فوصلوا إلى جوار الرى، فأتاهم الباطنية وقت السحر فوضعوا فيهم السيف وقتلوهم كيف شاءوا وغنموا أموالهم ودوابهم ولم يتركوا شيئًا، وقتلوا هذه السنة أبا جعفر بن المشاط وهو من شيوخ الشافعية وكان يدرس بالرى ويعظ الناس فلما نزل من كرسيه أتاه باطنى فقتله.
• ذكر أحوال الباطنية بأصبهان وقتل ابن عطاش
فى هذه السنة ملك السلطان محمد القلعة التى كان الباطنية ملكوها بالقرب من أصبهان، واسمها شاهدز، وقتل صاحبها أحمد عبد الملك بن عطاش وولده وكانت هذه القلعة قد بناها ملكشاه واستولى عليها بعده أحمد بن عبد الملك بن عطاش وسبب ذلك أنه اتصل بحاكم كان لها فلما استولى أحمد عليها وكان الباطنية بأصبهان قد ألبسوه تاجًا وجمعوا له أموالاً وإنما فعلوا ذلك به لتقدم أبيه عبدالملك فى مذهبهم فإنه كان بليغًا حسن الخط سريع البديهة عفيفًا وابتلى بحب هذا المذهب وكان هذا ابنه أحمد جاهلاً لا يعرف شيئًا وقيل لابن الصباح صاحب قلعة الموت: لماذا تعظم ابن عطاش مع جهله؟ قال: لمكان أبيه لأنه كان أستاذى وصار لابن عطاش عدد كثير وبأس شديد واستفحل أمره بالقلعة فكان يرسل أصحابه لقطع الطريق وأخذ الأموال وقتل من قدروا على قتله فقتلوا خلقًا كثيرًا لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا له على القرى السلطانية وأملاك الناس ضرائب يأخذونها ليكفوا عنها الأذى فتعذر بذلك انتفاع السلطان بقراه والناس بأملاكهم، وتمشى لهم الأمر بالخلاف الواقع بين السلطانين بركيارق ومحمد أخيه.
• نهاية ابن عطاش
وحدثت هدنة بين السلطان بركيارق والباطنية وشرطوا عليه ألا يسمع قول منتصح فيهم وإن قال أحد عنهم شيئًا سلمه إليهم، وأنَّ من أتاه منهم رده إليهم فأجابهم إليه وطلبوا أن يحمل إليهم من الإقامة ما يكفيهم يومًا بيوم فأجيبوا إليه فى كل هذا، وقصدهم المطاولة انتظارًا لفتق أو حادث يتجدد ورتب لهم وزير السلطان سعد الملك ما يحمل إليهم كل يوم من الطعام والفاكهة وجميع ما يحتاجون إليه فجعلوا هم يرسلون ويبتاعون من الأطعمة ما يجمعونه ليمتنعوا فى قلعتهم. ثم إنهم وضعوا من أصحابهم من يقتل أميرًا كان يبالغ فى قتالهم فوثبوا عليه وجرحوه وسلم منهم فحينئذ أمر السلطان بإخراب قلعة خالنجان وجدد الحصار عليهم فطلبوا أن ينزل بعضهم ويرسل السلطان معهم من يحميهم إلى أن يصلوا إلى قلعة الناظر بأرجان وهى لهم وينزل بعضهم ويرسل معهم من يوصلهم إلى طبس، وأن يقيم البقية منهم فى مكان فى القلعة إلى أن يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم فينزلون حينئذ ويرسل معهم من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة ألموت فأجيبوا إلى ذلك فنزل منهم إلى الناظر وإلى طبس وساروا وتسلم السلطان القلعة وخربها ثم إن الذين ساروا إلى قلعة الناظر وطبس وصل منهم من أخبر ابن عطاش بوصولهم، ورأى السلطان منه الغدر والعود عن الذى قرره فأمر بالزحف إليه فزحف الناس عامة ثانى ذى القلعة. وكان قد قل عنده من يمنع ويقاتل فظهر منهم صبر عظيم وشجاعة زائدة، وكان قد استأمن إلى السلطان إنسان من أعيانهم فقال لهم: إنى أدلكم على عورة لهم فأتى بهم إلى جانب من القلعة فقال لهم: اصعدوا من ههنا فقيل: إنهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال، فقال: إن الذى ترون أسلحة وهياكل حديدية قد جعلوها كهيئة الرجال لقلتهم عندهم وكان جميع من بقى ثمانين رجلاً فزحف الناس من هناك فصعدوا منه وملكوا الموضع، وقتل أكثر الباطنية واختلط جماعة منهم مع من دخل فخرجوا معهم وأما ابن عطاش فإنه أخذ أسيرًا فترك أسبوعًا ثم إنه أمر به فشهر فى جميع البلد وسلخ جلده فتجلد حتى مات وحشى جلده تبنًا وقتل ولده وحمل رأساهما إلى بغداد، وألقت زوجته نفسها من رأس القلعة فهلكت وكان معها جواهر نفيسة لم يوجد مثلها، هلكت أيضًا.. وكان الناس يتشاءمون بهذه القلعة.. ويقولون: كان دليلها كلبا، والمشير بها كافرا.. والمتحصن بها زنديقًا!!
• قتل الوزير نظام الملك
سنة 503 هجرية فى المحرم سيَّر السلطان بركيارق وزيره نظام الملك أحمد بن نظام الملك إلى قلعة الموت لقتال الحسن بن الصباح ومن معه من الإسماعيلية فحصروهم وهجم الشتاء عليهم فعادوا ولم يبلغوا منه غرضًا. وفيها فى ربيع الآخر قدم السلطان إلى بغداد وعاد عنها فى شوال من السنة أيضًا. وفيها فى شعبان توجه الوزير نظام الملك إلى الجامع فوثب به الباطنية فضربوه بالسكاكين وجرح فى رقبته فبقى مريضًا مدة ثم برأ وأخذ الباطنى الذى جرحه فسُقى الخمر حتى سكر، ثم سُئل أصحابه فأقر على جماعة بمسجد المأمونية فأخذوا وقتلوا. •
والأسبوع القادم نكمل..
«الحشاشين»..ومحاولات قتل صلاح الدين!!