المساء
محمد جبريل
ع البحري .. الحياة في الماضي
كل زمن مضي هو زمن جميل. نتذكره بالحنين والاعجاب. نحن إلي بيت الطفولة. وإلي الشارع الخلفي الذي كنا نمارس فيه ألعابنا. وارتجافة الحب الأول. والأغنية التي ربطت بين الشاب والفتاة التي أحبها. حتي المدرسة التي كنا نتطلع لانتهاء وقتها. نضعها في إطار وردي جميل.. لكن الأيام تسقط ذلك. ولا تبقي إلا الذكريات الجميلة.
نحن نعيش الحاضر. لكن الماضي في داخلنا. لا نستطيع أن ننتزعه من نفوسنا. انه يطالعنا بصور وذكريات. أو حتي بمجرد ومضات سريعة. لكننا نتصل به علي نحو ما. ولا نتصل بالفراغ.
وطبيعي أن ينظر المتقدمون في السن إلي الماضي. يستمدون منه ما يمكن تسميته بالدروس المستفادة.. لكن علي الأجيال التالية كذلك أن تنظر إلي الماضي. تحاول وصله بالحاضر. وتستشرف آفاق المستقبل. هي حلقات في سلسلة.
علي سبيل المثال. فإن علاقة العرب بماضيهم تفرض نفسها في تحركهم الآني. وتطلعهم إلي المستقبل. المثل نجده في الدعوات المتضادة إلي الفرعونية والإسلامية والعروبة والاتجاه جنوباًً وثقافة المتوسط. حتي بعد أن استقرت الهوية ـ أو هذا ما تصورناه ـ فإن ملامح الماضي ظلت واضحة. بصورها المتعددة. في التيارات الفكرية الحديثة "ظاهرة لافتة: العادة أن يعيد الناخبون في دول أوروبا الشرقية اختيار من أسقطوا اختيارهم قبلاً. فاليسار الذي فقد تأثيره عقب اندثار الاتحاد السوفيتي. ما لبث أن استرد ثقة الناخبين بعد ممارسات اليمين التي اتسمت بالسلبية.
إذا حاولنا أن نجد الزمن الجميل فيما سبق من أزمنة. فأغلب الظن اننا لن نجد ما يستحق هذ الوصف. في كل الأزمنة إيجابياتها وسلبياتها.
ثمة عبارة قرأتها "استدعاء الماضي لا يصنع مستقبلاً". أختلف مع هذه العبارة. لأن الحاضر موصول بالماضي. والمستقبل موصول بالحاضر والماضي معاً. من الصعب اجتثاث فترة تاريخية ما عن بقية الفترات.. نستطيع أن نناقش فترة محددة. لكننا لا نستطيع أن نعزلها عن مسار التاريخ.
يجب أن نتخفف ـ لا أقول نتخلص ـ من النظرة الماضوية إلي أحوال زماننا. وقائع فات أوانها. ولم يعد لها تأثير ـ أو هذا هو المفروض ـ علي الحاضر من حياتنا ولا المستقبل الذي نستشرفه. نحن نعيد ونزيد في حديث الإفك. الشيعة يحتفلون بيوم مقتل عمر بن الخطاب علي يد المجوس. قول سعد زغلول ما فيش فايدة.. هل كان تنبؤاً بقرب نهاية الحياة. أو انه كان ينعي أحوال البلد؟. نأخذ المثل من وقائع التاريخ. لكننا لا نسقطها علي حياتنا الآنية. لكل زمان أحواله وظروفه وتوقعاته وتطلعاته ومآزقه ومنجزاته قد يفيد مما سبق. شريطة ألا يخضع للماضي. وإلا أصابه الجمود.
هذا هو الخطر الذي يواجهه وطننا العربي..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف