أحمد كامل البحيرى
هل اقتربت نهاية ليوبولد العرب؟
دولة صغيرة تقع على أطراف المنطقة٬ لا تمتلك أي مقومات لدولة قوية من حيث المساحة أو عدد السكان٬ مزيج من عرقيات مختلفة نتج عنه ضعف للهوية الوطنية وعدم قدرة على خلق تراكم حضاري وثقافي٬ في وقت تحدها العديد من الدول الكبرى ذات المساحات الشاسعة والكثافة في عدد السكان، مما جعلها ذات نفوذ إقليمي ودولي كبير، ينطلق من مقومات عدة، وفي مقدمتها الحضارة والتماسك العرقي واللغوي لشعوب تلك الدول. هذه الحالة من الضعف في بنية الدولة ارتبطت في لحظة تاريخية بوصول شاب صغير السن إلى سدة الحكم تمتلكه رغبة الحقد على حكام دول الجوار٬ وقال لنفسه لماذا لم أولد في مملكة كبرى، وأن أكون وليا للعهد لإحدى تلك الدول؟ لماذا ولدت كحاكم لدولة صغيرة غير قادرة على لعب دور مؤثر في الإقليم والعالم؟ لماذا لم أحكم دولة تتحكم في مصائرها دول أخرى كبيرة محيطة بها؟ تساؤلات عدة طرحت في ذهن الأمير الصغير مع أول يوم جلوس على العرش٬ وكانت الإجابة: لا بد أن أكون كبيرًا٬ فكيف أصبح هكذا؟ وكانت الإجابة: أُضعف وأُفتت وأقتُل الأخرى٬ أنشُر الفوضى والقتل في أرجاء المنطقة فأكون أنا الكبير٬ بغض النظر عن مساحة الدولة وعدد السكان. وقد بدأ الأمير الصغير الذي أصبح الملك في استغلال الآخرين ودخول الدول تحت حجة المساعدة ليستنزف مقدرات وثروات تلك الدول، وحتى يتمكن من تحقيق هدفه كانت الإجابة مقتل ملايين المواطنين٬ في جريمة بشعة يظل التاريخ يذكرها حتى يوم الدين٬ نعم إنه الطاغية ليوبولد الثاني ملك بلجيكا الذي حكم هذه الدولة الصغيرة، والتي لا تتجاوز مساحتها ٣٠٫٥ ألف كيلومتر خلال الفترة بين عامي (١٨٨٥ ـ ١٩٠٩)٬ حيث قام هذا الملك الشاب بقتل الملايين من شعب الكونغو في واحدة من أبشع الإبادات ضد مواطنين شهدتها البشرية٬ بهدف استغلال ثروات تلك الدولة الفقيرة، معتمدًا على فقر وجهل شعب الكونغو، في ظل صمت من المجتمع الدولي تحت شعارات رفعها هذا الحاكم الطاغية اسمها (نشر الدين٬ والتنمية للشعب وووو.... إلخ).
وفي حقيقة الأمر قام الأمير الشاب بتسخير الشعب الكونغولي في جمع (المطاط) وقام بتشكيل قوة عسكرية مرتزقة تحت اسم (القوة العامة) ليراقبوا العبيد في الكونغو، وتقوم تلك القوة بأعمال القتل والتعذيب٬ تلك القوة تعتبر بداية ما يمكن أن نطلق عليه الآن (الحرب بالوكالة) عن طريق تشكيل ميليشيات مسلحة بتمويل وتدريب من قبل بعض الدول لتحقيق أهداف تلك الدول دون تدخل مباشر في عمليات القتل والتخريب. وبتحليل المشهد السياسي للمنطقة العربية سنجد مرتزقة (القوة العامة) في كل دولة من العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن إلى مصر٬ وأصبحت مرتزقة (القوة العامة) تحمل مسميات مختلفة فمن (داعش إلى هيئة تحرير الشام إلى بيت المقدس إلى أنصار الشريعة إلى ...................................................)٬ ولكن مضمون وهدف تلك الميليشيات واحد هو نفس هدف (القوة العامة). نعم التاريخ يعيد نفسه٬ حاكم شاب لدولة صغيرة وشعب تعداده محدود يسعى ليكون كبيرا على حساب جثث شعوب المنطقة. نعم الأمير ليوبولد الثاني لم يمت ولكنه حي يرزق ويحكم الآن.