الأهرام
نيفين مسعد
حراك الريف المغربى: هل من جديد؟
نحن فى المشرق العربى قليلا ما نهتم بما يجرى فى دول المغرب على أهميته، وفيما يخص مصر تحديدا فإنه باستثناء ليبيا ذات الأهمية الخاصة لنا بحكم الجوار الجغرافى، فإن متابعتنا لتطورات المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا تظل محدودة مع أن العلاقات المصرية - الجزائرية بالذات لها خصوصيتها التاريخية لأسباب معروفة، صحيح أن الثورة التونسية عندما اندلعت فى ديسمبر 2010 جذبت انتباه المصريين، لكن ذلك كان من زاوية محددة هى: إلى حد مصر تشبه تونس؟ وبالتدريج خفت الاهتمام بتونس فما عاد أحد يكتب عنها، الآن المغرب العربى يموج بأحداث جديرة بالتحليل فهناك استحقاقات انتخابية منتظرة فى تونس أقربها نهاية هذا العام على مستوى المحليات، وهناك صراع على السلطة فى الجزائر ومحاولة إعادة تشكيل الساحة السياسية ظهرت فى تشكيل الحكومة الجديدة، وفِى تونس والمغرب احتجاجات شعبية ذات أبعاد اقتصادية - اجتماعية وإن تكن فى خلفيتها حزمة أخرى من القضايا المتشابكة، وهذا المقال يركز على ما يجرى فى المغرب على أمل أن تتاح فرصة لاحقا لتناول التطورات فى كل من تونس والجزائر.

ما كاد المغرب ينتهى من أزمة تشكيل الحكومة فى شهر أبريل الماضى حتى تصاعدت أزمة الحراك الشعبى فى الريف المغربى، أزمة الحراك الشعبى تعود جذورها إلى شهر أكتوبر 2016 عندما فجر مقتل بائع سمك سحقا فى حافلة نفايات موجة من الغضب فى تلك المنطقة الواقعة شمال المغرب، وتنبع حساسية منطقة الريف من ثلاثة عوامل أساسية، فالريف المغربى يعانى التهميش الاقتصادى - الاجتماعى وإن لم يكن الوحيد فى ذلك، وسكانه أساسا من الأمازيغ وهم شديدو الاعتزاز بهويتهم، وله خبرة طويلة بالاحتجاجات الشعبية فمنه خرج المناضل عبد الكريم الخطابى الذى تزعم النضال ضد الاستعمارين الإسبانى والفرنسى وفيه جرت مواجهات مع المخزن (الذى يشار به للسلطة المركزية) عامى 1958 و1984، وعندما بدأت موجة الثورات العربية كانت لها انعكاساتها على مناطق مغربية. فى القلب منها منطقة الريف.

أزمة الريف المستمرة من سبعة أشهر كاملة شهدت تصعيدا خطيرا خلال الأسبوع الماضى عندما قام ناصر الزفزافى الذى تصدر واجهة الحراك - بإيقاف خطبة الجمعة الأخيرة من شهر شعبان وهاجم الخطيب بعنف لأنه دعا للملك وانتقد «الفتنة» فى إشارة مبطنة لحراك الريف . والزفزافى شاب فى مقتبل العمر، متوسط التعليم ، لم يكن معروفا على نطاق واسع قبل مقتل بائع السمك لكن منذ هذه الواقعة نجح فى فرض نفسه على كل الفعاليات والمظاهر الاحتجاجية، يملك الزفزافى خطابا شعبويا بامتياز فهو يصرخ مخاطبا السلطات المغربية «اعتقلونى اقتلونى أدبحونى» قاصدا تصوير نفسه فداء لأهداف الحراك، ويهاجم ترؤس وزير الداخلية اللجنة الوزارية التى أرسلتها الحكومة المغربية لتهدئة أوضاع الريف بعبارات لاذعة من نوع «أنت تستحمرنا تستبغلنا» لجذب العوام والبسطاء، وهو يعزف على الوتر الدينى بكثرة الاستشهاد بالقرآن والحديث وبتسليط الضوء على «العُرى فى التلفاز» فى دولة تعتبر نفسها إسلامية، وفِى كل الأحوال فإنه لا ينقطع عن حاضنته الأمازيغية بل يغازلها بعبارات شوفينية أحيانا «حرى بكم - أى المسؤولين الحكوميين - الاعتذار للريفيين أسيادكم».

فى تقييم تعامل الحكومة والإعلام المغربيين مع تصاعد حراك الريف يمكن تسجيل عدة ملاحظات، إحداها التخبط فى تحديد أسبابه ومن يقفون وراءه ، فتارة يتم الاعتراف بالوضعية الاقتصادية - الاجتماعية السيئة للمنطقة، وتارة يقال إن المخابرات الجزائرية لها دور فى ذلك وإن هناك فتاة جزائرية - بريطانية هى خديجة الشنوفى تم رصد تواصلها مع ناصر الزفزافى، وتارة يشار إلى فرنسا وأنها تدفع فى اتجاه انفصال الريف وهنا يتم الاستشهاد برفع أعلام المنطقة وليس علم المملكة المغربية فى أثناء التظاهرات، مثل هذا التناقض ما بين الإقرار بالعوامل الداخلية للأزمة وبين الحديث عن أچندة خارجية يسمح للزفزافى بأن ينتقده، وبالفعل فمن بين ما ذكره فى رفض لزيارة اللجنة الوزارية للريف قوله «اتهموا أبناء الريف بأنهم انفصاليون، ويتسولون اليوم الوقوف إلى جانب الحراك». هل يعنى ذلك التأكد من أنه لا توجد تدخلات خارجية ؟ إطلاقا ففرنسا لها باع طويل فى هذا الشأن عموما وفِى المغرب خصوصا، ونحن لم ننس الظهير البربرى (المرسوم أو القانون البربرى) الذى أصدرته عام 1930 إبان احتلالها المغرب للإيقاع بين العرب والأمازيغ، لكن المقصود أن الخارج يؤثر عندما يكون الداخل هشا، الملاحظة الأخرى تتعلق بالجهود التى تبذلها الحكومة لضخ مشروعات تنموية وفرص عمل فى منطقة الريف، وهذا جيد لكن المطلوب هو الاستدامة ومواصلة سد الفجوة التنموية بين المركز والأطراف بشكل عام، وهنا لا ينبغى أن تخضع الحكومة لابتزاز الزفزافى الذى يرفض تلك الجهود ويسفهها ويشكك فيها، ولن تنجح الحكومة فى ذلك إلا إن كان الاهتمام بتنمية المناطق المهمشة معبرا عن توجه استراتيچى وليس نتيجة رد فعل مؤقت، الملاحظة الأخيرة ترتبط بالقبض على ناصر الزفزافى بتهمة تعطيل ممارسة الشعائر الدينية نتيجة قيامه بوقف خطبة الجمعة ، فمن الصحيح أن تصرف الزفزافى كان لا يليق بمقام المسجد لكن فى الوقت نفسه فإن تسييس خطبة الجمعة سمح بتحويل المسجد إلى ساحة للسجال السياسى، وأخشى أن يؤدى القبض على الزفزافى إلى مزيد من توسيع نطاق المتعاطفين معه خارج بؤرة الحراك، وهناك نذر بالفعل تعطى هذا المعنى.

عندما اندلعت الثورات العربية فى تونس ثم مصر فاليمن فليبيا فسوريا سرت مقولة إن النظم الملكية أكثر استقرارا من النظم الجمهورية، وفِى الواقع فإن الاستقرار من عدمه يرتبط بالسياسات التى يتبعها النظام وليس بتصنيف هذا النظام إلى ملكى أو جمهوري، فالاستقرار لَيْس شيكا على بياض للنظم الملكية كما رأينا، ولذلك فإننا نتطلع إلى معالجة رصينة للأزمة الحالية، ولتكن البداية بتشكيل لجنة من رموز وطنية لها مصداقيتها تتوسط بين الحكومة والمحتجين ويرتبط بذلك الإفراج عن المقبوض عليهم فى التظاهرات، ومنهم الزفزافى.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف