لكل إنسان رحلة، ولكل رحلة نهاية مثل العمر، فالحياة نعيشها بحلوها ومرها، بأفراحها وانتكاساتها، نتخيل حصاد ما فعلته أيادينا ولا نحزن على هذا لأنه من فعلنا، ولكننا عندما نضطر إلى أن نحصد ما جنته أيادى الآخرين، فهنا المرارة تكون مرارات، ولا يمر العذاب هينا، لأنه مثل الجرح الغائر لا يندمل طوال رحلة العمر، فيظل مفتوحا يذكرنا بآثام غيرنا، وهؤلاء الأغيار الذين يحصدون الجوائز الكبرى بعد أن يتركوا لنا الشعور بالندم والعجز والهوان، الندم على كل ما قضيناه فى رحلة عمل دءوبة، وعجز بعد أن نصل الى نهاية الرحلة بدون مكافأة على جهد وإخلاص أبديناه، وهوان فى ظل حصاد الآخرين لجهودنا.
هذه المشاعر تعيش بداخلنا مثل أغنية صورة لصلاح جاهين التى غناها عبد الحليم عام 1966 ولحنها كمال الطويل، فالصورة رآها كل المصريين وقتها حية شبه متجسدة أمامهم، فالحلم اقترب وكادوا يلامسون القمر، وودوا جميعا المشاركة فى الصورة، لأن حاكمهم عبد الناصر وعدهم بالحرية والديمقراطية والاشتراكية والرفعة والتقدم. الشعب الفرحان ظل يغنى للصورة تحت الراية المنصورة، وتوعد بطرد كل من يبعد عن الميدان، وكان التهديد بعدم إظهاره فى الصورة. وشملت الأحلام خضرة وميا وشمس عفية وقبة سما زرقا مصفية ونسايم سلم وحرية ومعالم فن ومدنية، ومداين صاحية الفجرية على أشرف ندهة وآذان..هى دى بلدنا مصر العربية، صورة منورها الإمام على مدد الشوف.
عاش بعضنا يحلم بالصورة، وتغرب الآخر بين البلاد ويذوبهم الشوق والحنين للوطن من كثرة الغربة وبعد المسافات، ولم يجدوا فى الليل سوى سلوى لحديث القمر لعله يصل لأصدقائهم فى مصر، ولعل القمر يواسيهم بكلمة أو حتى بلمسة، وأرهقتهم رحلة الغربة من أجل أكل العيش.هدف كل متغرب تحقيق طموحه وآماله، إلا المصريين تغربوا عن وطنهم هربا من بؤسه وغياب عدله، يعطى من لم يعمل، غابت صورة جاهين وحليم والطويل ولم نتحقق منذ عام 1966، ولم نر مدخنة قايدة فى قلوب حسادنا تحتها صلب، فالمداخن توقفت عن العمل ولكن ظل الحسد فى قلوب تنابلتنا.