د. مصطفى محمود
الاختراقات السرية الأمريكية للشعوب
التاريخ لا يعيد نفسه؛ ولكنه بين الحين والآخر يثبت ما أراد قوله مفسراً العديد من التصرفات والأحداث التى قد تبدو على غير حقيقتها أو مبهمة؛ ومن هذا المنطلق يمكن تفسير جولة الرئيس الأمريكى الأخيرة فى الشرق الأوسط وما تبعها من تصرفات عربية وأمريكية؛ لتضع النقاط على الحروف حول هذا النهر من الأموال التى أغدقت على أمريكا من قبل دول الخليج ؛ فإخضاع الدول واستمرار الهيمنة عليها من خلال إضعافها وتفكيكها؛ أى بتحويلها إلى دويلات وإمارات ضعيفة، وإنشاء الدولة العميقة والتحالف مع الإسلاميين الذى تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى استمرار هيمنتها على العالم بأى ثمن؛ ومدى تأثيرها فى مختلف الدول.
وبالمراجعة والتدقيق فى الأساليب والأدوات التى تتبعها واشنطن يمكن فهم التدخل السرى من خلال ما يسمى المشاريع الثقافية واستخدام المنظمات غير الحكومية، وصولاً إلى التدخل المباشر وعمليات القصف والاجتياح الواسع، إضافة إلى استخدام منظور الأدوات الاقتصادية التى تشمل العقوبات، وفرض الخصخصة، والتحكم بالموارد الطبيعية وممتلكات الدول، بشكل منفرد وباستخدام حلف الناتو، وتوريط الدول بالتعاون فى خدمات خاصة تحت شعار محاربة المخدرات أو محاربة الإرهاب، مستخدمة لذلك حرب الأفكار والحرب النفسية وأساليب أخرى وهذا ما حققه بشكل علمى ومن خلال وثائق الكاتب الأمريكى ويليام بلوم صاحب كتاب «قتلة الديمقراطية: عمليات الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون خلال الحرب الباردة».
وقد تم الكتاب بالتعاون مع كتاب من دول مختلفة من العالم، بمعايير مهنية عالية وبالاعتماد على الوثائق والحقائق مع الأخذ بعين الاعتبار المنظور التاريخى، لإعداد الكتاب؛ ليقدم طرحا منطقيا للتدخلات والأحداث التى شهدها العالم فى الـ25 سنة الماضية، فتحركات الولايات المتحدة الأمريكية «لدعم الديمقراطية» طوال تاريخها لم تكن لطيفة أو مشرفة، ولكنها تحركات موجهة لدعم صورة الأنظمة الموثوقة من قبل واشنطن، والأنظمة الملكية المستعدة للتنفيذ الصارم لشروط واشنطن فيما يتعلق بالنفط والقواعد العسكرية وإسرائيل، وتحرس مصالح الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية فى دولها، فى مقابل دعم الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون لهذه الأنظمة واستمرارها، من خلال البنية التحتية الهدامة التى بنتها الولايات المتحدة فى نهاية أربعينيات القرن الماضى من الشبكات السرية، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ووسائل الدعاية، والاستراتيجيات والمنهجية. تلك البنية أثرت فـى الثورات المخملية فى أوروبا الشرقية بدعمها أربعين عاماً النشاطات المستمرة ضد «حلف وارسو»، حيث أدى امتدادها إلى تفكك الاتحاد السوفيتى.
وبعدها اعتبرت الولايات المتحدة أنه لا بد من زيادة ولاء قادة الدول الناتجة عن تفكك الاتحاد السوفيتى من خلال «الثورات الملونة» التى برمجت لإنتاج قادة تابعين لها.
وأهداف الولايات المتحدة إخضاع الدول واستمرار الهيمنة عليها. وتستخدم أمريكا حججا مثل محاربة الإرهاب والمخدرات، وصولاً إلى العقوبات الاقتصادية والاستراتيجيات المتبعة معها، إلى جانب استخدام الدين السياسى كما فى مصر وتركيا وآسيا الوسطى.