بوابة الشروق
جمال قطب
القضاء «مسئولية ــ مبادئ ــ رجال ــ مهارات» 11ــ الحسبة بين الدعوة والقضاء
ــ1ــ
الحسبة وظيفة عامة من وظائف المجتمع غايتها منع حدوث الخطأ، وإجهاضه قبل نضجه إذا وجد، كما تهدف الحسبة إلى تقليل أسباب النزاع وصيانة المجتمع من الخطايا والصراعات. لذلك يمكن اعتبار الحسبة دور من أدوار الدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. كما يمكن اعتبارها وظيفة قضائية لما يتمتع به المحتسب من صلاحيات، وربما صنفها البعض وظيفة إدارية؛ حيث أسندت اختصاصات الاحتساب لبعض موظفى الدواوين مثل إدارات الشئون القانونية، والمراجعة والتفتيش. كذلك فإن بعض الحضارات قد جعلت الاحتساب تابعًا للسلطة التنفيذية مباشرة مثل ما نراه فى بلادنا.. فلدى وزارة الصحة إدارة التفتيش الصحى التى يقوم موظفوها بالتفتيش على سلامة الأطعمة والأشربة ومطابقتها للشروط الصحية، ومراقبة الصيدليات والعيادات إلخ. كما تتولى وزارة التموين مراقبة جميع ما يتداوله الناس من أطعمة وأشربة من ناحية الصلاحية والموازين، ونرى شرطة المرافق وما تقوم به من المحافظة على سيولة الحركة فى الطرق ونظافتها ومتابعة مرافق الكهرباء والمياه والصرف الصحى وما يلحقها من أعطال تسبب أضرارًا بالغة إلخ.
ــ2ــ
وهذه الوظيفة يتمتع صاحبها بسلطة استثنائية؛ حيث يقوم بنفسه بضبط الخطأ والمبادرة إلى إصلاحه وتنفيذ الإصلاح فورًا. وهذا هو ما جعل الناس يصنفون الحسبة ضمن وظائف القضاء.
وأول من مارس الحسبة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال دورين أولهما: إصدار التعليمات الضامنة لعدالة المعاملات، والدور الآخر هو تفقد السوق والتفتيش بنفسه على تصرفات المتعاملين. ومما أصدره صلى الله عليه وسلم من تعليمات تنهيه عن الغش، وأمره بعدم البيع إلا فى السوق، وكذلك «عدم تلقى الركبان» بمعنى عدم خروج تجار البلدة لمقابلة تجار الجملة قبل حضورهم للأسواق حتى لا يقع احتكار لصنف ولا فرض لسعر مخالف. كما أنه قام صلى الله عليه وسلم يتفقد سوق المدينة ووضع يده فى (كومة) حبوب فخرجت يده مبتلة (مبللة بالماء)، فقال صلى الله عليه وسلم للرجل: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» فقال الرجل: «أصابته السماء» (المطر) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟! من غشنا فليس منا».
ــ3ــ
والحسبة وظيفة عامة شديدة الاتساع تتسع بحجم المهن والحرف والمعاملات، لذلك يستحب أن تكون «تخصصية» يشغلها فى كل اختصاص من حصل على درجة كبيرة فى تخصصه.. ويجب أن يتفرغ المحتسب لممارسة مهامه ويعطى راتبًا كافيًا ويبقى دائمًا فى مقر عمله هو ومساعدوه. ويحدد للمحتسب منطقة جغرافية محددة يتحمل مسئوليتها. وحضارتنا الحديثة فى مسيس الحاجة إلى العناية بتلك الوظائف التى تحقق الإنجاز والجودة وتهيئ مناخ الرضا بين المواطنين.
ــ4ــ
إن ما تتباهى به حضارات أخرى من عنايتها بـ«الجودة» إذا كان اختراعًا حديثًا عندهم، فهو فريضة من فرائض ديننا. أقامها الشرع كما رأينا بالأمس، ووجه إلى ضرورة تخصيص مؤسسة.. نعم مؤسسة تتولى دفع الناس إلى الإتقان فى أعمالهم، والحرص على النمو والازدهار. بل إن الشرع قد جعل إتقان العمل عبادة، والحرص على جودة المنتجات عبادة، كما فرض شرعنا ضرورة مكافحة الغش والإهمال والتسرع.
ــ5ــ
والأفضل لوظيفة الحسبة أن لا تتوزع مسئوليتها بين الوظائف الإدارية، بل تنشأ لها مؤسسة خاصة تقوم بواجبات التوجيه والإعلام أولا ثم بمهمة الرقابة والتصحيح.. على أن تضم هذه المؤسسة فروعًا لكل الأنشطة ويتم اختيار العاملين فيها من مستويات متقدمة من العاملين فى كل نشاط. فيتم نقله إلى مؤسسة الحسبة فى تخصصه؛ حيث يكون أعلم بأصول العمل وعارف بمواطن الإهمال والغش أو التقصير. كما يجب أن يتعود العاملون فى كل نشاط على «لصق طابع» يحمل أرقامًا خاصة تدل على شخص المنتج ومكانه وزمانه وتاريخ انتهاء الصلاحية على أن تكون تلك «الطوابع» تحت إشراف مؤسسة الحسبة، فهذا أكبر خير وأفضل معروف ومانع لكل منكر..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف