اليوم السابع
عباس شومان
بل الإنسان على نفسه بصيرة
هذه قاعدة من قواعد التعامل مع النفس ووسيلة من وسائل معالجة النفس من أدوائها، وهى فى الوقت نفسه سلم لتترقى فى مراقى التزكية، فإن الله تعالى قد أقسم أحد عشر قسما فى سورة الشمس على هذا المعنى العظيم، ثم قال: (قد أفلح من زكاها).

ومعنى هذه الآية باختصار أن الإنسان، وإن حاول أن يجادل عن أفعاله أو أقواله التى يعلم من نفسه بطلانها أو خطأها، واعتذر عن نفسه باعتذارات، فهو يعرف تماما ما قاله وفعله، ولو حاول أن يستر نفسه أمام الناس، أو يلقى الاعتذارات، فلا أحد أبصر ولا أعرف بما فى نفسه من نفسه.

وتأمل كيف جاء التعبير بقوله: «بصيرة» دون غيرها من الألفاظ؛ لأن البصيرة متضمنة معنى الوضوح والحجة، كما يقال للإنسان: أنت حجة على نفسك.
إن لهذه القاعدة القرآنية مجالات كثيرة فى واقعنا، منها: فى مجال التعامل مع النفس، فكثير من الناس قد شغف بتتبع أخطاء الناس وعيوبهم، مع غفلة عن عيوب نفسه، فترى بعض الناس يتتبعون العورات، ويتصيدون الهفوات، ويشيعون العثرات، وهم أولى بأن يبحثوا فى عيوب أنفسهم، ويكونوا بعيوب أنفسهم أبصر، ولمساوئهم أعرف، وعلى علاجها أحرص.

وانشغال الإنسان بعيوب غيره دون عيوب نفسه من علامات الخذلان، كما قال بكر بن عبد الله المزنى: إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس فاعلموا أنه قد مُكر به، ولذلك قال أهل العلم: إن أنفع الصدق أن تقر لله بعيوبك.

ومنها أيضا حين ترى بعض الناس يجادلون عن أنفسهم ويدافعون عنها بالباطل فى موقف تبين فيه الخطأ وبانت فيه المغالطات، لكنه الجدل بالباطل، مع علمهم فى قرارة أنفسهم أنهم جانبهم الصواب.

وعلى هذا فإن الآية الشريفة تدعو إلى أن يسعى إلى التفتيش عن عيوبه، وأن يسعى فى التخلص منها قدر الطاقة، فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود، وألا يركن إلى ما فيه من عيوب أو أخطاء، بحجة أنه نشأ على هذا الخلق أو ذاك، أو اعتاد عليه، فإنه لا أحد من الناس أعلم منك بنفسك وعيوبها وأخطائها وذنوبها، وما تسره من أخلاق.

ومن مواطن استفادة المؤمن من هذه القاعدة: أن الإنسان ما دام يعلم أنه أعلم بنفسه من غيره؛ وجب عليه أن يتفطن أن الناس قد يمدحونه فى يوم من الأيام، بل قد يفرطون فى ذلك، وفى المقابل قد يسمع من الناس من يضع من قدره، أو يخفض من شأنه بنوع من الظلم والبغى، فمن عرف نفسه لم يغتر بمدحه بما ليس فيه، ولم يتضرر بذمه بما ليس فيه، بل يستفيد من ذلك بتصحيح ما فيه من أخطاء، ويسعى لتكميل نفسه بأنواع الكمالات البشرية قدر المستطاع.

ومن مجالات تطبيق هذه الآية: أن يوفق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب والخطأ وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين: فتأمل فى قول أبوينا- حين أكلا من الشجرة-: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقول موسى عليه السلام نادما على قتله القبطى: «رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم» فى سلسلة متتابعة كان من آخرها ما أثبته القرآن عن أولئك الذين اعترفوا بذنوبهم؛ فسلموا وتيب عليهم، قال تعالى: «وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم». أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يقينا شر أنفسنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف