المساء
السيد العزاوى
أهل الإيمان
الأنصار من أهل المدينة المنورة أنعم الله عليهم بفيوضات من رحمته وأثني الله عليهم لموقفهم مع إخوانهم المهاجرين من هؤلاء الرجال قتادة بن النعمان ابن زيد بن عامر الأنصاري الأوسي ينتمي إلي قبيلة الأوس يكني أبا عمر وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. كان من الذين شهدوا بيعة العقبة بعد أن أسلم علي يد رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانت له حادثة مشهورة حين كان يقاتل في صفوف المسلمين في غزوة أحد فقد كان من المجاهدين الأشداء في سبيل الله وقد أصيبت عينه بشظية واستقرت بداخلها وقد اعتراه الحزن والأسي وكان كئيبًا وحين عرف الرسول صلي الله عليه وسلم بما جري خاصة ان الرسول كان يتابع المجاهدون من أصحابه للاطمئنان عليهم ويتعرف علي أحوالهم وكل شئونهم.
أمام هذ الحادث توجه قتادة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخذ يحكي كيف حدثت اصابته.. ثم قال: يا رسول الله إني رجل مبتلي بحب النساء وتوجه برجاء إلي سيد الخلق كي يردها إلي موقعها وهناك بعض الروايات تشير إلي أن الاصابة حدثت في غزوة بدر وأيا كان الأمر فقد اهتم الرسول صلي الله عليه وسلم بما يجري خاصة ان حدقة عينه قد سالت علي وجنتيه فأرادوا أن يقطعونها فرفض رسول الله صلي الله عليه وسلم وشاءت إرادة الله أن الرسول غمز حدقته براحته فعادت إلي مكانها وصارت أحسن عينيه.
ويقول عبدالرحمن بن الحارث ان الرسول بصق أي تفل في عينه فعادت سيرتها الأولي بل صارت أفضل مما كانت وهذه من خصوصيات سيد الخلق صلي الله عليه وسلم. وصار هذا الموقف من رسول الله لقتادة مثار فخر أهله وعشيرته.
ظلت حادثة قتادة وما أكرم الله به رسوله حديث الناس وتتناقلها الأجيال.. ويقول الأصمعي عن أبي معشر المدني: أوفد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم إلي عمر ابن عبدالعزيز رجلا من ولد قتادة بن النعمان فلما مثل أمام عمر سأله قائلا: من الرجل فقال شعرًا يفتخر بنسبه إلي قتادة ومما قاله اجابة لسؤال عمر:
أنا ابن الذي سالت علي الخد عينه
فردت بكف المصطفي أحسن الرد
فعادت كما كانت لأول أمرها
فيا حسن ما عين ويا حسن مارد
فرد عليه عمر بن عبدالعزيز ولي أمر المسلمين في هذه الفترة شعرًا قال مادحًا:
تلك المكارم لا قعبان من لبن
شيبا بماء فعاد بعد أبوالا
كلمات تعبر عن المكارم التي خص الله بها الرسول فقد عادت لطبيعتها
قتادة كان من فضلاء الصحابة وقد أسند اليه الرسول صلي الله عليه وسلم راية بني ظفر وذلك في يوم فتح مكة. فقام بمهمته علي أكمل وجه. ومن المواقف في حياة قتادة انه خرج في ليلة لصلاة العشاء وفي هذه الأثناء حدث تغير مفاجيء في الأحوال الجوية فأظلمت السماء وحدث برق وهنا رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم قتادة بن النعمان. فقال: قتادة؟ قال: نعم يا رسول الله.. ثم أضاف: لقد علمت أن الشاهد لأداء الصلاة هذه الليلة قليل فأحببت أن أشهدها. قال له الرسول صلي الله عليه وسلم: إذا انصرفت فأتني. وحين انصرف توجه إلي الرسول فأعطاه عرجونا مثل شمروخ بلح النخل فقال: خذ هذا يضيء أمامك عشرًا وخلفك عشرًا. وقد كان قتادة من رواة أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وروي عنه أبو سعيد الخدري وغيره ومما رواه محمود بن لبيد عن قتادة: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إذا الله العبد حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء.. أي كما يحمي أي فرد شربه الماء إذا كان بها ضرر يهدد صحته.
توفي قتادة بن النعمان سنة ثلاث وعشرين عن عمر يناهز خمسًا وستين عامًا وصلي عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ونزل قبره أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة رحبا وتقديرا في رجل أبلي بلاءًا حسنا في سبيل دعوة الحق وكان جديرًا بتقدير رسول الله صلي الله عليه وسلم لمسيرته الطيبة. وبهذا طويت صفحة رجل من أهل الإيمان رحمه لله رحمة واسعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف