المصرى اليوم
نيوتن
أسلمة التطرف
أن تكون حبيس فكرة. تتسلط عليك بلا هوادة. تتلبسك تماما. تعتبرها أنت الحقيقة المطلقة. ما دونها هو دائماً باطل. إنها «الدوجما» أو الجمود فى مقابل المرونة العقلية. ضد التفتح الذهنى. بها يصبح الإنسان أسيراً لأفكار متعلقة بمجتمعه. بلونه. بدينه. برؤيته للعالم والكون. قليلون يتمكنون من التحرر والخروج من أسر تلك الأفكار. أكثرهم يستمرئون الأسر.

ثلاث قصص. تحمل فى فحواها نماذج لتسلط الأفكار أو استحواذها «obsession» على البشر.

هى ممثلة أمريكية سوداء. حصلت على الأوسكار. فى كلمتها أعلنت كم عانت بسبب لونها. كانت وهى طفلة تدعو الله كل ليلة أن تصبح بيضاء. اعترفت بذلك. أعلنت ذلك صراحة. على سبيل السخرية من الأمر. لتوضح مدى وطأة الشعور بالنقص من كونها سوداء فى مجتمع عنصرى. رغم أنها كانت تصحو كل يوم دون استجابة لدعواتها، إلا أنها لم تيأس. استمرت تدعو الله ليغير لونها. تسلطت الفكرة عليها طوال حياتها. كانت ترى نفسها ناقصة الجمال. لأنها سوداء. إلى أن تحررت من أسر تلك الفكرة بالسخرية منها.

فى جامعة الإمام محمد بن سعود. قام مدرس جغرافيا مصرى بعرض مجسم للكرة الأرضية. ليستعين به فى الشرح لطلابه. رفضت الإدارة هذا المجسم. فعلماء السعودية وقتذاك كانت تسيطر عليهم رؤية بعينها وتفسير بعينه. وقعوا فى أسر النصوص وتفسيرهم المحدود لها. يعتبرون الأرض مسطحة. منبسطة. وفقا لقوله- تعالى- فى سورة نوح: «والله جعل لكم الأرض بساطا»، رغم اكتشاف وثبوت كروية الأرض قبل 6 قرون من الآن. وكأن قوانين كوبرنيكوس. وخرائط ماجلان. وغيرها من إثباتات العلم الحديث. كأنها لم تكن. بل ذهب الشيخ ابن باز فى ثمانينيات القرن الماضى إلا أن هذا الزعم من تأليف الغرب والتجمع التقدمى فى مصر. فقط بعد مشاركة الأمير سلطان بن سلمان فى رحلة إلى الفضاء. لإطلاق القمر الصناعى العربى الثانى بالاشتراك بين المملكة العربية السعودية ووكالة ناسا. وقوله إنه رأى من الفضاء الأرض كروية. نحو عام 1985. اضطر ابن باز وغيره من العلماء مثل ابن عثيمين لتغيير رأيهم. والقول بكروية الأرض. استنادا إلى ما أبلغهم به الأمير. اعتبروه شاهد عيان. اعتبروا أن فتاواهم السابقة تم تحريفها وفهمها خطأ. الفكرة تسلطت عليهم وأسرتهم. رفضوا التفكير بأفق مفتوح. بعضهم التزم أيضا بالتفسيرات القديمة للقرطبى وغيره. فى آية من سورة النازعات: «والأرض بعد ذلك دحاها»، وتفسيرها عند القرطبى بسطها. فى حين ذهب فرسان الإعجاز العلمى فى القرآن إلى أن «دحاها» أى جعلها بيضاوية. هذا لكى يتفق تفسيرهم مع العلم الحديث. تسلط الأفكار إذن من شأنه أن يترك الإنسان جامدا فى مكانه. يمنعه من التقدم.

هناك أفكار تستحوذ على البشر كفيلة بتدمير حياتهم. أو على الأقل تحويل الحياة إلى جحيم.

الشىء نفسه حدث لسيد قطب. سيطر عليه تفسير معين للقرآن. رؤية أخرى للدين استحوذت عليه. رؤية وتفسير ملؤهما التطرف والتعصب. هذه الفكرة استحوذت على جماعة الإخوان أيضا. بدليل أن من تولوا الحكم أو قادوا الجماعة وقت توليها الحكم. مثل مرسى والشاطر وغيرهما. كانوا قطبيين. تستحوذ عليهم أفكار سيد قطب ورؤيته المتطرفة للدين.

ذات يوم. كنا نعيش سويا. مسلمين ومسيحيين ويهودا. ثلاثة أديان تتعايش دون أن يشعر أحد منا بالاختلاف أو التمييز أو الخجل من دينه. ندرس سويا فى فصل واحد. نلعب سويا، ونقضى أوقاتنا معا. فى محبة وسلام. لم يكن هناك مجال للتمييز أو التطرف. مجتمعنا كان متماسكا مسالما متوازنا. الآن يبدو أن هذا التوازن اختل. هناك من يقتل باسم الدين. من يمارس التطرف باسم أفكار معينة تسيطر عليه. وفهم مغلوط للدين. كل من لديه فكر منحرف. حاقد. يتجه للانتقام من المجتمع. يحاول أن يفسر تصرفاته، من خلال أفكار جامدة. ثم ينسب نفسه إلى الإسلام.

المشكلة الحقيقية ليست فى التطرف. فالإسلام نفسه لا يعرف التطرف. ولا يدعو إليه. المشكلة أن المتطرفين يأخذون الإسلام عباءة لتصرفاتهم. أو علامة تجارية لفهمهم المريض للدين. المشكلة الحقيقة تكمن فى أسلمة التطرف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف