في هذا اللقاء نمضي وقتاً ممتعاً في صحبة واحد من فضلاء الصحابة إنه قيس بن سعد بن عبادة بن ساعدة الأنصاري الخزرجي الساعدي ويكني أبوالفضل وقيل أبوعبدالله وأمه مكيهه بنت عبيد بن دليم بن حارثة. وهو أحد دهاة العرب وكرمائهم وكان من ذوي الرأي الصائب وفي الحرب كان له باع طويل في المكيدة للأعداء متمتعاً بالشجاعة والنجدة في الوقت المناسب من أشراف قومه ومن بيت سيادتهم منذ دخل قيس في الدين الحنيف وهو يبذل قصاري جهده في أداء العمل الجاد ملتزماً بقيم الدين الحنيف لم يقصر في أي مهمة تسند إليه وقد أهلته صفاته وشجاعته أن يكون قريباً من رسول الله صلي الله عليه وسلم يسعي في خدمته قدر طاقته وجهده.
وعن مكانة قيس بن سعد يقول أنس رضي الله عنه كان قيس بن سعد من رسول الله صلي الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير ويقول الأنصاري إنما كان قيس من رسول الله بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير لأجل أنه كان يلي أموره ويتولي إدارة الشئون الخاصة به ومما يؤكد مدي مهمة قيس في بيت النبوة إن والده سعد بن عبادة قد توجه ودفعه لخدمة سيد الخلق صلي الله عليه وسلم تقديراً لمكانة الرسول لأن خدمته شرف يتمناه كل مسلم يؤمن بالله ورسوله.. قيس تولي مهمته في خدمة الرسول صلي الله عليه وسلم بكل همة ونشاط يتفاني في العمل حباً في الله ورسوله وقد كان قيس من المقربين من رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي أحد الأيام كان قيس قد انتهي من صلاته فمر به رسول الله صلي الله عليه وسلم فضربه برجله منبهاً وحين انتبه قيس قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا أدلك علي باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلي. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قيس كانت له مكانة عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد كان يحمل راية الأنصار في أي سرية من سرايا الجهاد في سبيل الله وقد كان قيس في هذه السرية كان يرافق فيها أبابكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقد استرعي اهتمام هذين الصحابيين الجليلين أن قيساً كان يطعم الناس عن حب وسخاء.. ولا غرو فهو من هؤلاء الأنصار الذين يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وأمام هذا الموقف من قيس قال أبوبكر وعمر إن تركنا هذا الفتي يستمر في هذا العمل أهلك مال والده ومشي الصحابيان يرددان هذه العبارة فسمعهما سعد بن عبادة والد قيس وقد تحرك خاطر وغضب لأنه يريد لابنه أن يستمر في عطائه للناس وتوجه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وخاطبه قائلاً: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب؟ يبخلان علي ابني يريد بذلك أن يستمر ابنه في عطائه دون التفات لاستهلاك ماله ويريد المزيد من الإنفاق في سبيل الله مدركاً قول الله تعالي "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين".
قيس بن سعد من رجالات العرب المعدودين ويعد من دهاة العرب وحكمائهم. قال ابن شهاب حين ثارت الفتنة كان هناك في العرب خمسة رهط يقال لهم ذوو رأي العرب ومكيدتهم وهم: معاوية وعمرو بن العاص وقيس بن سعد والمغيرة بن شعبة وعبدالله بن بديل بن ورفاء وقد كان قيس وابن بديل مع علي أما المغيرة فاعتزل في الطائف وعمرو كان مع معاوية ومما يشير إلي أن قيساً كان يبتعد عن المكر والخديعة ملتزماً بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه: المكر والخديعة في النار ويقول مؤكداً هذا الالتزام لولا أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلي الله عليه وسلم لكنت من أمكر هذه الأمة.
وقد كان قيس من المصاحبين للإمام علي بن أبي طالب وشهد معه حروبه وكانت مواقف خاصة حين حاول مروان بن الحكم أن يخيفه سار إلي الإمام علي بالكوفة ولم يزل معه حتي قتل ثم سار مع الحسن بن علي مناصراً لآل علي لكن عندما بايع الحسن معاوية دخل قيس في بيعة معاوية وعاد إلي المدينة المنورة فلزمها وتوفي سنة تسع وخمسين وكان ليس في وجهه لحية ولا شعرة لدرجة أن الأنصار كانوا يقولون وددنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا وكان مع ذلك يتمتع بالجمال بجانب الكرم والعطاء والقيام علي شئون سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أحاديث وروي عن قيس كثير منهم أبوعمار عريب والشعبي وما يروي عن قيس قوله لو كان العلم بالثريا لناله له ناس من فارس.. هذه رحلة صحابي من أهل الإيمان كانت زاخرة بالكثير من المواقف والأعمال الصالحة إنه بحق قدوة ونموذج رحمه الله رحمة واسعة.