الأهرام
أنور عبد اللطيف
طلعت حرب «مش راجع» بسبب «67صنع الله إبراهيم»
هل كان الشعب المصرى وطبقته الوسطى على درجة عالية من الانحلال الذى يستحق ان نحمله مسئولية الهزيمة فى 67 ؟ وهل تبرئ المؤامرة الخارجية وسوء إدارة المعركة، وهل تنسى بطولات الضباط والجنود والمقاومة التى حدثت بسيناء رغم أوامر القيادة العسكرية بالانسحاب؟
السؤال بمناسبة صدور رواية«٦٧» للروائى صنع الله إبراهيم، التى كتبها بعد الهزيمة التى يمراليوم 50 سنة على وقوعها. الرواية باختصار (محتشم) لظروف رمضانية، تتكون من اثنى عشر فصلا كل فصل يتناول شهرا من «عام الهزيمة» يرصد فيه حركة الابطال حول خط درامى رئيسى، بطله السارد الذى تدور الأحداث بلسانه، ويحكى عن علاقاته المحرمة مع زوجة أخيه الذى يؤويه، والانحلال والعبث السمة العامة لمعظم أبطالها، منهم من يقع فى هوى الأجنبيات والفتيات الصغيرات أوالشذوذ أو العجز. وطوال الرواية لم يضبط هذا السارد الصحفى منشغلا بمهنة الكتابة أومتاعبها، لكن أخاه ظل منهمكا فى العمل طول الوقت بشركة يملكها «ضابط سابق ..وصار يلعب بالفلوس لعب».
قال بمقدمتها أنه فكر فى نشرها عام 1977 لكنه خشى أن يستغلها اليمين الرأسمالى الصاعد مع الانفتاح وأعداء جمال عبد الناصر. فأعادها الى الأدراج. حتى فاجأنا منذ أيام بنشرها!
يقول المؤلف عن الرواية إنها امتداد لروايته الأولى «تلك الرائحة» غير النظيفة التى وجدها تفوح من قلب البلد، وفى الحالتين ـ كما جاء فى مقدمتى الرواية ـ حكايات مؤلفة متخيلة ومن حقى ان استخدم تفاصيل حقيقية أوغيرحقيقية من الحياة والتاريخ وعملية الكذب فى أى رواية مجال إمتاع و«انا امتعك بان أحكى للقارئ حكاية كاذبة»

أغلب الظن ومهما استقل الإبداع عن موضوعه فهو امتداد لخبرة المؤلف الذاتية. وظنى أنه يخاطب القارئ الغربى الآن بفتح ملفات النكسة المسكوت عنها، ويخاطب المراهقين والمترجمين بلغة الجنس الممنهج، والتحلل الخلقى الذى استخدمه المؤلف لم يمنع فكرته الرئيسية من الوصول للقارئ مثل الحوائط التى سدت أبواب المنازل وملأت شوارع القاهرة عقب اندلاع الحرب، لم تمنع فضائح الشارع السياسى من التسلل إلى البيوت، وكأن المشهد الجنسى كان نوعا من الهرب من الحقيقة المرة!
فالسارد هرب من احتمال اتهام النظام للشيوعيين بالمسئولية عن الهزيمة ليعيش فى شقة صديقه رمزى الذى كان رمزا لحياة لاهية مع الأجنبيات (بينهن سويدية كانت تشتهى أكبر عدد من الرجال، وأخرى روسية جاءت كالعادة متأخرة قبل الهزيمة بأيام..وكانت تتلفت حولها حتى لا يراها أحد من جنسيتها)
صحيح كان هناك قدرمن الانحلال والانحطاط والتعمية وإلا ما وقعت الهزيمة التى نعانى من آثارها حتى اليوم، ولكن كيف تفسر خروج هذا المجتمع ـ وطبقته الوسطى ـ بالملايين بعد يومين من الهزيمة العسكرية. مطالبا عبد الناصر بالرجوع عن التنحى ومصرا على مواصلة المعركة ومساندة جيشه فى حرب الاستنزاف وفى إعادة بناء قواته المسلحة حتى تحقق انتصار «العاشر من رمضان» بعد 6 سنوات من الهزيمة؟
وبقدر عمق الرواية تكون الاسئلة كبيرة منها مثلا أنه قال ـ أظن أنه فى يوميات الواحات ـ «أهم شىء فى الحرب أن تكسبها، والأديب يعتنق قصة سياسية ويعيش من أجلها فإذا فازت ارتفعت مكانته».. وقد عشت طول عمرك تعتنق أفكار اليسار ولم ينجح هذا التيار فى الوصول للحكم، هل رواية 67 تجسد حالة شعور اليساريين باليأس؟
وكتمت رواية 67 لمدة 49 سنة منذ كتبتها فى بيروت عام 1968وكنت تتكسب وقتها ـ كما قلت - من ترجمة بعض الأعمال الأمريكية فى مجتمع تسيطر فيه السفارات ومنها السفارة الأمريكية على وسائل إعلامه، كتبتها إذن فى ظروف معينة، وأفرجت عنها الآن فهل قررت أن تهديها لنفس القوى اليمينية التى صارت أخطبوطا يملك مفاتيح الاقتصاد والإعلام والتشريع ويهمها القضاء واجتثاث حلم اليسار، بعد أن تأكدت أن طلعت حرب «مش راجع» مالم تكن هناك نية خالصة لترميم الطبقة الوسطى؟
.. وللحق جعلنى أسلوب صنع الله إبراهيم الذى أعتز بمكانته وقيمته الأدبية أتنقل برشاقة بين جمل سريعة وبلورية وأقنعنى بمتعة السرد والوصف.. لكن كيف يستمتع القارئ بأى «جمال» فى طريق الأوحال والعبث، من أول الرواية فى حفل رأس السنة حتى المشهد الختامى حين (أغلق باب التاكسى خلف زوجة أخيه واختفى التاكسى)؟
هل هذا هو جديدك الذى تصدره لشباب مصر2017، هل هذا «ذات» صنع الله الذى اعتذرعن جائزة الرواية العربية وقال فى وجه سلطة مبارك: «أعلن اعتذارى عن عدم قبول الجائزة لأنها صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمى الفساد وتسمح للسفير الإسرائيلى بالبقاء، فى حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب»

هل هذا هو صاحب رائعة «أمريكانلى» التى كانت ولاتزال صرخة فى وجه الهيمنة الأمريكية على العالم العربى؟ أم أن خروج صنع الله برواية «قديمة ـ جديدة» ينطبق عليه وصف فاروق حسنى بأنه لعب على جراح شعب لتحقيق مجد دعائى يتوق إليه؟
المؤكد أننى استبعد ذلك لثقتى فى إخلاص صنع الله إبراهيم ووطنيته وإن كنت لن أيأس من انتظار الإجابات!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف