قال تعالي سبحانه وتعالي في كتابه " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " ، وهنا أمر الله عز وجل الناس بالسمع والطاعة لله ورسوله لبلوغ سعادة الدنيا والآخرة ، فيجب الحمد أن بلغنا رمضان بنعمة منه وفضل ولا أن تقتصر صلتنا بخالقنا بزمان أو مكان ، واغتنام أيامه ولياليه بالقرب من الله ورضوانه لا معصيته والبعد عن الشهوات والملذات والتلذذ بالعبادة وقراءة القرآن وتوالي التسابيح وإرادة العمل الجاد لا التكاسل ونوم الصباح وسهر الليالي فما يغضب الله بتغافل دستور " سمعنا وأطعنا" لننعم برضا خالقنا ونفوز بخيري الدنيا والآخرة.
إن صحابة رسول الله صل عليه وسلم بلغوا السعادة والقرب من الله ورضوانه لأنه فهموا القرآن ليس كحالنا في لحظات الحزن أو الخوف أو مواسم الطاعات فينطبق علينا قول الله تعالي " وقال الرسول إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا" ، إما هم بلغوا رضا السماء بغاية السمع والطاعة ، فقد روي أبو هريرة رضي الله عنه " لما نزلت علي رسول الله آيه " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله علي كل شئ قدير " فلما سمعوا الصحابة بقلوبهم وعقولهم الواعية الخائفة من غضب الله وتبغي رضاه غيرنا والذين نسمع ولا نفهم ، فإذا عقدنا مقارنة ليست في صالحنا بالطبع فنجد أنه اشتد عليهم ذلك فأتوا الرسول وبركوا علي الركب وقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطبق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد انزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، قال رسول الله عليه وسلم " أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " قالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، فأنزل الله بعدها " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطانا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين " ، نعم صدق وأيقن الرسول بما أوحي إليه من ربه والمؤمنون صدقوا وعملوا بالقرآن الكريم ، نعم دين الله يسر فلم يطلب الله من عباده ما لا يطيقونه ، ومن يفعل خيراً يجد خيراً ومن يفعل شرا نال شرا وكمان لا تعاقبنا إن نسينا أو أخطأنا لما نهيتنا ولا تحملنا ما لا نستطيعه وامح ذنوبنا.
وبعد مرور العشر الأولي من شهر رمضان الذي قال فيه الرسول الكريم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وقال " الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " ، فمن من المسلمين لا يعرف ذلك ويدرك أن الصيام من أعظم الأعمال ثوابا عند الله ، بل لم يسمع حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام : قال الله تعالي : كل عمل أبن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " تقديراً لفضله عن سائر العبادات، وكما النبي محمد أن في الجنة باباً لا يدخله إلا الصائمون يقال له الريان لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق ، وقال أيضا : ثلاث دعوات مستجابات دعوة الصائم والمظلوم والمسافر ، فصيام رمضان مدرسة للإخلاص ومراقبة الله في السر والعلن وليس منع من الشهوات ، فنجد أن الكثيرين بزماننا يفهمه ليس عبادة ولكن كعادة للسهرات الرمضانية وأمام المسلسلات والبرامج طوال الصباح والمساء ، ونسيان أنه شهر تلاوة القرآن والذكر وصلاة التراويح وليس بين غيبة ونميمة وقطع رحم وكبائر ومنكرات وفعل محرمات وغيرها مما يغضب الله ورسوله.. فنشاهد المضيعين أوقاتهم وأعمارهم وفضائل الأوقات ولا نلتمس فضائله مع عدم التقين من العيش لرمضان قادم ، فهناك فرقًا كبيراً بين سمعنا وأطعنا بإخلاص لله والانشغال بما يغضب الرحمن.