الجمهورية
على هاشم
معاً للمستقبل .. الرئاسة.. والنائب العام ملاذ لأصحاب الشكاوي.. لماذا؟!
* في دول العالم المتقدم تحرص الحكومات علي التواصل مع شعوبها ومواطنيها بشتي وسائل الاتصال وأكثرها فعالية وحداثة خصوصًا خدمات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها المختلفة.. لكن في مصر ورغم اعتماد كثير من المواطنين في حياتهم الخاصة علي هذه المواقع فإن كثيرا من الوزارات والهيئات الحكومية لا تملك صفحات رسمية للتواصل مع المواطنين وحتي ان امتلك بعضها مثل هذه الصفحات فلن تجدها بالفعالية والتأثير المطلوبين .
ولا تزال خدمة الخط الساخن رغم الطفرة التكنولوجية الهائلة هي الأكثر استخداما من جانب الحكومة وأجهزتها المختلفة للتفاعل مع المواطن بصورة مباشرة وتكفي شكاواه واستغاثاته في مصر وهي خدمة ذات جدوي هائلة في بعض القطاعات ولاسيما الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي ومصر ليست بدعًا في هذا الأمر . فأمريكا بجلالة قدرها تخصص خدمة من 3 أرقام يلجأ إليها المواطن في حالات الطواريء بدءًا باشتعال الحرائق العنيفة مرورًا بحوادث الطرق وانتهاء بإنزال قط أليف عالق فوق شجرة .
وما أكثر الخطوط الساخنة التي استحدثتها الوزارات والأجهزة والمرافق الحكومية عددًا وما أقلها تواصلاً ونفعا بعضها يعمل علي مدار الساعة دون كلل أو ملل أو انقطاع . يقدم الخدمة ويغيث الملهوف كخدمة الإسعاف وطوارئ المياه والصرف الصحي والكهرباء وخدمة دار الإفتاء النشطة .. وبعضها مجرد شو إعلامي وديكور أصابها الخرس لا حياة لمن تنادي والسؤال: هل تحرص كل الوزارات علي التواصل الحقيقي مع المواطن وتذليل عقباته وتخفيف معاناته.. هل يقوم الوزراء كلهم أو حتي أغلبهم بتقييم أداء الخط الساخن لوزارته وما يتبعها من أجهزة ومرافق.. هل إرضاء المواطن أولوية ومعيار حاكم لتصورات أي مسئول عن حدود مسئولياته وواجبات وظيفته العامة.. هل يجري تسجيل جميع شكاوي المواطنين والرد عليهم أينما كانوا وأياً ما كانوا.. هل يجري التأكد من إزالة سبب الشكوي علي أرض الواقع .. هل ثمة لجان متابعة وتقييم تحصي علي مدار الساعة عدد الشكاوي وأماكنها وكيفية التعامل معها ..؟!
وإذا كنا نشكو جشع التجار والغلاء غير المبرر وفوضي الأسواق والغش في المنتجات فهل هناك "خط ساخن" حقيقي لجهاز حماية المستهلك وهل هناك خطوط ساخنة للتعامل مع أطفال الشوارع والإدمان وحالات العنف الأسري والبلطجة وماذا عن وزارة النقل وملحقاتها وهي أكثر الوزارات التصاقًا بالحياة اليومية للناس وهل لدي السكة الحديد مثلاً خدمة للخط الساخن وهل ترد علي الناس إذا كانت موجودة أصلاً.. هل تملك وزارة البيئة خدمة لتلقي الشكاوي عن التلوث والمخالفات البيئية وما أكثرها بطول البلاد وعرضها .. هل لديها فرق للتحرك السريع ووقف أي مخالفات تضر بصحة العباد. وتؤذي البلاد في أعز ما تملك» صحة البشر وجودة الحياة وأين الخط الساخن لوزارة التموين التي تشهد مكاتبها هذه الأيام زحاماً كبيرًا لتحديث بطاقات التموين وهل لدي المحافظات والمحليات خدمة الخط الساخن لمنع تراكم القمامة في الشوارع ووقف مخالفات البناء في حينها حتي لا نفاجأ بين الحين والآخر بأبراج مائلة علي غرار برج الإسكندرية المائل الذي جاوز أصحابه القانون وعرضوا المنطقة المحيطة لخطر الموت والتشرد.
لا شك أننا نحتاج إلي ما هو أكثر من خدمة للخط الساخن علي أهميتها القصوي نحتاج لإدارة خاصة في كل جهة حكومية تكون مهمتها التواصل الإنساني مع المواطن يتبعها فرق للانتشار السريع والمتابعة الميدانية المباشرة هذه الإدارات مهمتها الأساسية تحسين صورة الحكومة في عيون المواطنين وردم الفجوة الهائلة بين الطرفين.
ويحضرني في هذا السياق تجربة فريدة لجريدة الجمهورية تميزت بها علي سائر الصحف في مطلع الألفية الثانية وهي خدمة 139 جمهورية أو الخط الساخن الذي كان يمثل دور الوسيط بين المواطن الغلبان والحكومة صوت المواطن إلي أولي الأمر. يتلقي اتصالات الناس من جميع أنحاء مصر ثم يتولي فريق مدرب تصنيفها وترجمتها إلي مطالب يجري تبليغها إلي المسئولين وتلقي الردود أوالحلول في الحال دون إبطاء وهي خدمة صحفية كانت مبتكرة في حينها حققت نجاحا مشهودا حيث كانت الشكاوي الواردة إليها من المواطن ثم الصادرة منها إلي المسئول بمثابة وثيقة رسمية يصعب التحلل منها أو الالتفاف عليها من جانب المسئولين» خشية النشر وتحويلها إلي قضية رأي عام علي صفحات الجريدة .. ولا أدري كيف جري التفريط في مثل هذه الخدمة المتميزة الناجحة ومَنْ المسئول عن ذلك .. ويحدوني أمل عريض في همة الإدارة الجديدة لدار الجمهورية برئاسة الزميل سعد سليم ورئيس تحرير الجمهورية الزميل عبد الرازق توفيق وأن تعيد النظر في بعث 139 جمهورية إلي الحياة مرة أخري بأفكار وأدوات أكثر تطورًا لئلا تُحرم الجمهورية من نجاح كانت تتميز به علي غيرها وحبذا لو جري تحديثها باستخدام تطبيقات مثل الواتس آب أو الفيس بوك وما أوسع انتشارهما هذه الأيام ولحسن الحظ فإن هناك من يمكنه إدارة مثل هذه الخدمة بكفاءة واقتدار وهي الزميلة جمالات يونس التي أسهمت في نجاح هذه الخدمة منذ البداية ولديها إلمام تام بكافة تفاصيلها.
ما أصعب الشكاوي إذا كثرت وتراكمت علي رأس المواطن ولم تجد حلولا أو آذانًا صياغة لدي المسئولين علي اختلاف درجاتهم وما أكثر ما نري من خطوط ساخنة اسماً» لكنها باردة فعلا أو جثة هامدة بلا نفع أو فائدة.. الأمر الذي جعل الناس تلجأ إلي مكتب رئيس الجمهورية أو النائب العام .. وهو مؤشر بقدر ما يعكس ثقة الناس في رئاسة الجمهورية والنيابة العامة بقدر ما يجسد خيبة أملهم في المحليات والأجهزة الحكومية المعنية بحياتهم اليومية .. والسؤال : هل من المعقول تحميل الرئاسة بتفاصيل كثيرة وإرهاقها بأعباء يتحمل مسئوليتها في الأصل الوزراء والمحافظون ومرءوسوهم.. هل من المنطقي زيادة أعباء مكتب النائب الذي يتحمل من القضايا والشكاوي ما يفوق طاقته.. لا لشيء إلا لتقاعس أجهزة الحكومة وموظفيها عن تحمل مسئولياتهم في مواقع كثيرة.
لا أنكر علي الناس حقهم في الشكاوي والجهر بها إذا ما تعرضوا لظلم أوغبن أو انتقاص أو إهمال لكن الوجهة الحقيقية ينبغي أن تكون للمسئول المباشر عن الشكاوي سواء في الوزارات أو دواوين المحافظات أو رئاسات المراكز والمدن أو حتي رئاسة الوزراء وليس لرئاسة الجمهورية أو النائب العام.
ثمة فجوة عميقة بين الحكومة بمرافقها وخدماتها وبين المواطن بهمومه وتطلعاته والسبب فيها تجاهل المسئولين لمشاكل الناس وأنينهم الاجتماعي والقفز عليها بل وتحميلهم مسئولية ما يقع لهم هربًا من تحمل المسئولية السياسية وأمانة المنصب صغيرًا أو كبيرًا.
وليس لدي تفسير لهذه الطوابير الطويلة في بعض الجهات إلا أنها ناتج إهمال أو كسل أو فساد موظفين هنا وهناك ..موظفين دأبوا علي تعذيب المواطنين وابتزازهم. والتعامل بغلظة وتعالي وليتهم بعد كل هذا التعب والإذلال يحصلون علي مرادهم أو يجدون حلولا لمشكلاتهم ومن ثم كان طبيعيًا في أجواء كهذه أن تخاصم البسمة وجوه المواطنين وأن تصبح رئاسة الجمهورية ومكتب النائب العام ملاذًا لكل ذي حق أو مظلمة كبرت أو صغرت . وقد تضاعف هذا الإحساس لدي الجماهير بسبب ما تبديه الرئاسة والنائب العام من اهتمام بالغ وتعاطف كبير مع مشكلاتهم وحرص شديد علي مكافحة الفساد والمفسدين أينما كانوا ماداموا يعتدون علي حقوق المواطن وأمن المجتمع وسلامه واستقراره.
ولهذا فإن مفهوم الفساد وآثاره ومخاطره أكبر بكثير مما نتصور فهو ليس مجرد رشوة يتلقاها مسئول أو موظف هنا أو هناك ولكنه يمتد إلي تراخي المسئول وتقاعسه عن أداء واجبه الوظيفي بأمانة مادام يتقاضي عنه أجراً ارتضاه لنفسه أو غض الطرف عن قصور أداء مرءوسيه وفسادهم.. أما قمة الفساد فهي اختيار أشخاص لمواقع غير جديرين بها أو اسناد الأمر لغير أهله فهذا إضرار للمجتمع بأسره وهو أشد أنواع الفساد خطرًا.
وإذا كانت الدولة قطعت شوطاً كبيرًا في استعادة أراضيها المنهوبة فهل سيفلت من العقاب من تسبب في نهبها والأهم: هل تترك المنظومة التي سمحت بمثل هذا الفساد علي حالها دون نسفها لضمان عدم تكرارها ليس مهما في هذا السياق استحداث جهات جديدة لمكافحة الفساد فما هو موجود من هذه الأجهزة الرقابية يكفي ويزيد بشرط تفعيل أدائها بصورة أكثر انضباطا وقوة.
لدينا أجهزة رقابية متعددة . تعمل بدأب علي كشف الفساد ومحاربته لكنها لا تزال في حاجة لدعم أكبر ماديًا وتشريعيًا لمواكبة العصر وتسارع خطي الفساد وتطور أدواته لاسيما في مجال الجريمة الإلكترونية التي باتت أشد خطرًا وأعظم فسادًا.
نجاح الأجهزة الرقابية لا يتجسد في كثرة ما تكشفه من قضايا فساد بل فيما تمنع وقوعه من الأساس فالوقاية خير من العلاج وعلاج الفساد يتطلب أجواء مناسبة من الشفافية والتواصل وتطبيق القانون علي الجميع بلا استثناء يفتح أبواب الجحيم علي مصاريعها.
إلزام المسئولين بالنزول للشارع ومواقع العمل علي الطبيعة لمتابعة أحوال الناس عن كثب ضرورة لا غني عنها إذا أردنا حلولا واقعية لمشاكلنا المستعصية تُري كم مسئولاً نزل إلي الشارع في رمضان .. وكم وزيرًا تواصل مع المواطنين والأهم هل سبقهم نواب البرلمان بالنزول إلي دوائرهم لملاقاة المواطنين الأولي برعايتهم ليروا مشكلاتهم علي الطبيعة ويرفعوا أصواتهم للمسئولين.
تواصل الحكومة مع المواطنين يكسر حواجز العزلة والبيروقراطية ويردم الفجوة بين الطرفين ويزيل سوء الفهم وينهي كثيرًا من الظواهر السلبية ويعيد الثقة المفقودة للحكومة.. الفساد آفة تبدأ بالتراخي والإهمال وتمر بالإكرامية ولا تنتهي بالرشاوي والاختلاسات الكبري.. آن الأوان لزلة منظومة الفساد وتفكيكها لبناء دولة القانون والرفاه والتنمية الحقيقية للبشر والحجر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف