الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. لم تعد سلعاً.. معمرة!
فى جيلنا ـ وما قبله ـ عرفنا سلعاً منزلية تعيش العمر كله.. أى معمرة.. وكانت هذه تتمثل فى: الثلاجة. البوتاجاز. السخان. التليفزيون. ثم التكييف.. وبالطبع السيارة حتى ولو كانت شعبية.. وكان الوضع نفسه فى لعب الأطفال مثل الدراجة وغيرها.
وفجأة اكتشفت الشركات المنتجة لهذه السلع ـ وغيرها ـ أن تقديم سلع تعمر كثيراً عند المستهلكين يعنى، أن تغلق مصانعها أبوابها.. ولذلك غيرت من سياستها.. مثلاً كانت تبيع السلعة نفسها بأسعار تنافسية رخيصة.. ولكنها كانت ترفع ثمن قطع الغيار، لتعوض بأسعار هذه.. سعر السلعة الأساسى.. وهى كاملة.. ورغم ذلك أخذت المصانع الكبرى تغير سياستها.
<< فالسلع المعدنية ـ والهندسية ـ ومنها السيارات أخذوا فى تخفيف «سمك» الصاج أو المعدن. إذ بينما كانت السيارة تخضع لعمليات إصلاح عديدة وانتشرت ورش «سمكرة السيارات» فى الحوارى.. هنا لجأت الشركات الأمريكية مثلاً الى صنع «رفارف» السيارة من المطاط أو البلاستيك اللين.. وكذلك «إكصدام السيارة» ليسهل استبدالها عقب أى حادث ثم جاء عصر التكنولوجيا واستغلتها الشركات فى إضافة كل جديد ليس فقط لرفع أسعارها.. ولكن لأن الإنسان يبحث بطبعه عن الجديد.. وهكذا بعد أن كان المستهلك يلهث وراء المنتجات الألمانية والإنجليزية والأمريكية بات يفضل المنتجات اليابانية، ثم الصينية وإنتاج تايوان وباقى الدول الصغيرة، أى النمور الآسيوية.. وأصبح المستهلك يجرى وراء الشكل وليس الجودة.. وبذلك انتهت أسطورة: السلع المعمرة!!
<< وأتذكر أول جهاز تكييف اشتريته وكان من إنتاج كولدير وكانت كل مكوناته من الحديد!! وبالمناسبة مازال عندى واحد منها.. ويعمل حتى الآن إلى أن دخلت حياتنا أجهزة التكييف العصرية.. وفيها تلعب المكونات البلاستيك الجانب الأكبر.. وتأتى مشكلة «البوردة» سواء فى أجهزة التكييف أو الثلاجات، والسخانات.. وهذه ما أسهل أن تتعرض للتلف.. وبدونها تتحول الثلاجة الى «نملية» حتى ولو كانت أمريكية الصنع ومشهورة.
وبعد أن كانت هذه السلع يقاس عمرها بعشرات السنين.. باتت لا يتجاوز عمرها خمس سنوات.. ويا سلام لو أتمت العشر سنوات.. وكله لمصلحة «صاخب المخل» وتجد نفسك مضطراً لشراء وحدة جديدة، أما القديمة.. فإن حتى بائع الروبابيكيا بات يتعزز ويرفض حتى حملها!! والسبب: عمليات تطوير وتحديث المنتجات التى تلجأ إليها الشركات المصنعة، لإغراء المستهلكين!!
<< وامتدت هذه الوقائع الى كل شىء فى حياتنا.. زمان كان جهاز العروسة وبالذات غرفة النوم لا يتغير.. إلا إذا أقدم الرجل على الزواج من زوجة جديدة!! ووصل الأمر الى الأدوات الصحية.. وهوس البعض بتغيير السيراميك للأرضية والحمامات والمطابخ.. وأصبحت الزوجات مهووسات بتغيير ذلك كل سنوات قليلة.
وهذا بالطبع جعل المنتجين يهتمون بالشكل والألوان.. وليس بجودة الصنعة والمتانة.. وطول العمر.. ولذلك بعد أن كان عدد شركات صنع السيارات يعد على أصابع اليد الواحدة.. نجد فى مصر الآن ـ وحدها 80 شركة تقوم بتجميع السيارات فى مصر!!
<< وأصبح الكساد يهدد الشركات العملاقة التى تهتم فقط بالمتانة والجودة والتكنولوجيا الحديثة!! مقابل أرباح بالمليارات لغيرها من التى تهتم بالشكل واللون.
وانتهى بذلك عصر.. السلع المعمرة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف