حتى الآن مرَّت امتحانات «الثانوية العامة» بستر وسلام، خلافاً لما حدث العام الماضى من مهازل، عندما تسرّب الامتحان تلو الآخر، واضطرت الوزارة إلى إعادة الامتحانات المسرَّبة فى بعض المواد، فى مشهد كان شديد الإزعاج للعديد من الأسر المصرية. هذا العام تشهد امتحانات «الثانوية» نقلةً نوعيةً على مستوى الانضباط، وكما كتبنا وانتقدنا حالة الفوضى التى سادت امتحانات العام الماضى، لا بدَّ من تسليط الضوء على النقلة التى تشهدها امتحانات «الثانوية» هذا العام.
حتى كتابة هذه السطور، فشل موقع «شاومينج» فى تسريب الامتحانات، أو تسريب إجابات الامتحان بعد بدئه، رغم المحاولات الحثيثة التى تمّت فى هذا السياق، محاولة طالب العريش تم اكتشافها وضبطها، وهى واحدة من المحاولات الفاشلة لتسريب امتحان اللغة العربية. ليس من باب السخرية أن نقول: إن «شاومينج» فقدَ سمعته هذا العام، وهى سمعة تراكمت بفعل الهزائم المتكررة التى ألحقها بالوزارة فى ماراثون التسريب العام الماضى، كان القائمون على الموقع حريصين على استمرارها هذا العام، لكن فشلهم الواضح والبيّن فى إدخال المجتمع المصرى فى دوّامة التسريب ضرب سمعتهم فى الصميم، بإمكانك أن تدرك ذلك من متابعة حوارات بعض التلاميذ وبعض الأسر على هامش حالة الفشل التى أصابت «شاومينج» فأعجزته عن التسريب، لقد انهمرت عليه الشتائم والسخائم مِن كل مَن كان مهموماً بالغش، وعجز «شاومينج» عن مساعدته، فلعن الموقع الذى لم يفشل فقط فى تسريب الامتحان الحقيقى، بل قدَّم لطلاب «الثانوية» امتحاناً وهمياً، صرفهم عن المراجعة فى الساعات الدقيقة التى تسبق الامتحان.
نجح نظام «البوكليت» فى ضرب «التسريب»، ليس ذلك فقط، بل ساهم أيضاً فى تراجع معدلات الغش، فوجود النماذج الأربعة المتنوعة للامتحان الواحد داخل اللجنة الواحدة أدى إلى صرف اهتمام كل تلميذ إلى الورقة التى يمتحن فيها دون غيرها. ليس من حق بعض التلاميذ وأولياء الأمور الغضب من اختفاء التسريب، أو تراجع معدلات الغش، فلا يليق بأحد أن يدافع عن هذه المعايب الأخلاقية، أو يسعد عندما تسود فى الواقع، لمجرد أنها تحقق منافع أو مصالح صغيرة بالنسبة له.
فى حقيقة الأمر أجد أن أداء وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى كان متميزاً على مستوى هذا الملف، وتقديرى أنه نجح فى الامتحان الأول والأخطر الذى واجهه بعد تولّى الوزارة، فمنع -حتى اللحظة الحالية- التسريب عن الوزارة، ومرت الأيام الأولى لامتحانات «الثانوية العامة» فى هدوء. النجاح فى هذه الخطوة لا بدَّ أن يُغرى الوزير بالمزيد من الخطوات التى يتوجّب عليه خوضها من أجل إصلاح التعليم فى مصر، فتلك هى مهمته الأساسية والكبرى، وظنى أنه يمتلك خطة عمل واضحة الأهداف والوسائل لإصلاح التعليم، ننتظر منه أن يشرع فى تنفيذها.
من جديد أقول له: إن خطواته من أجل الإصلاح قد تواجَه بغضب من جانب المجتمع، وهو أمر طبيعى، لكن من المؤكد أن قدرة الوزير وجهازه الإعلامى على شرح الفوائد التى ستعود على الفرد والجماعة جراء هذا الإصلاح كفيلةٌ بامتصاص هذا الغضب، وتحويلِه فى مرحلة لاحقة إلى دعم شعبى كامل لمشروع الإصلاح.