بوابة الشروق
جمال قطب
من ضمانات العدالة - حقوق المتهم
ــ1ــ
من الضمانات التى تكفل تدفق تيار العدالة فى القضاء التزام القضاة بمرجعية تشريعية محايدة. والقاضى المسلم ملتزم باتخاذ القرآن الكريم مرجعية عليا لكل ما يصدر عنه من أحكام، بل ملتزم بهذه المرجعية شكلا ومضمونا. وقد استخرج الفقه القضائى من القرآن مبادئ للعدالة لم تعرفها الحضارات الأخرى. ومن بين المبادئ القضائية التى نشير إليها: 1ــ البراءة الفطرية لكل إنسان حتى تثبت إدانته، فكل مواطن معروض على القضاء مصحوبا ببراءته التى خلقه الله عليها، فلا تحريم ولا تجريم حتى تثبت الإدانة فى حقه ثباتا مؤيدا بالبينة أو الشهادة أو الاعتراف أو القرينة، وإلا فلا سلطان للقضاء عليه.
ــ2ــ
كذلك حينما يوجه الاتهام إلى المتهم سواء من الخصم أو النيابة فلا يستطيع القاضى اتخاذ موقف من المتهم قبل أن يتمكن من الرد على الادعاء والدفاع عن نفسه. نعم فالقاضى لا يستطيع الاكتفاء بالادعاء مهما قدم من أدلة، فلابد من سماع المتهم المدعى عليه، وقد ذكرنا سابقا أن الله جل جلاله قد علم سيدنا داوود عليه السلام ضرورة عدم التأثر بادعاء طرف دون أن يسمع الطرف الثانى. وفى ضوء ذلك نستطيع أن نفهم مقولة عمر بن الخطاب إلى القاضى: «إذا جاءك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى ترى الخصم الآخر فلعله فقئت عينه.
ــ3ــ
كذلك فلابد من الفصل بين الخصوم بما لا يمكن أحدهما من العدوان على الآخر، ومع ضرورة الفصل فلابد من المساواة بينهما تسوية كاملة سواء فى المناداة عليهما بالأسماء والألقاب، أو فى ألفاظ التعامل معهم فضلا عن تساويهما فى الجلوس أو القيام وتساوى مكان وجودهما فى المحكمة، وفى تنوع الأسئلة والتمكين من الرد والدفاع بالتساوى. كذلك فمن الضرورة مواجهة كل خصم مع خصمه وملاحظة كيفية دفع الخصم لدعوى خصمه.
ــ4ــ
وتفرض العدالة على القاضى ضرورة مشاورة (مداولة) الرأى مع زملائه أعضاء المحكمة ضمانا للإحاطة بوجهات النظر المختلفة فتتكامل الصورة أمام هيئة المحكمة قبل الشروع فى إصدار الحكم.
ــ5ــ
من حق المتهم إعلانه المسبق بموضوع القضية، وشخص الخصم، وكذلك أن يصله هذا الإعلان قبل موعد الجلسة بوقت كاف يمكنه من تجهيز مستنداته والتمكن من الحضور وعدم التأخر.
ــ6ــ
وقد تكفل الشرع بتهيئة القاضى وإعداده لتمكينه من تحرى العدالة، فجاءت فرائض الشريعة بتحريم وتجريم الرشوة، كما حرم الشرع على القاضى أن ينظر فى قضية له علاقة مباشرة بأحد أطرافها أو بأحد الشهود الماثلين أمامه. فإذا اكتشف القاضى أن أحد الخصوم له علاقة قرابة أو صهر أو صداقة أو شراكة فى عمل فيوجب الشرع عليه سرعة إعلان تخليه عن نظر القضية وتركها لقاض آخر قطعا للشك واحتياطا للصواب. كما أن للقاضى سلطة التحرى عن أمانة الشهود وصدقهم، وله أن يقبل أو يرفض ما يجده زورا وكذبا. كما أن القاضى قد تعلم وتدرب أن لا يجلس جلسة القضاء وهو تحت أى ضغط سواء كان غضبا أو جوعا أو عطشا أو شدة شبع أو قلة نوم، فكل تلك الأحوال وما يشبهها تحول بين القاضى وبين تحقيق عدالة المحكمة.
ــ7ــ
وقد ذكر المؤرخون من يقظة القضاة ما يطمئن الخصوم. إذ ذكروا أن الإمام الشعبى حضر مجلس «شرع القاضى» وجاءت امرأة بدا عليها البؤس والضيق، وملامح الظلم تبدو من شكلها وكلامها، فسارع الشعبى يقترح على القاضى أن يحكم لها.. وهنا سأل القاضى محدثه: لماذا أحكم لها؟ فقال: ها هو البؤس والظلم يبدو عليها.. فقال القاضى: لا يغرنك مثل ذلك أبدا.. فإن إخوة يوسف ألقوا أخاهم فى البئر ثم وضعوا دما كذبا على القميص ثم جاءوا أباهم عشاء يبكون!!!
يتبع
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف