الأهرام
عبد الرحمن سعد
العمر "فرحة" وفورا
أحيانا تكون أسباب "السعادة" مبسوطة بين أيدينا، لكننا لا ننتبه إليها، وبالتالي لا نستفيد منها، فنهدر فرصة ذهبية لسعادة "ربانية"، ومتعة مجانية؛ جاءت إلينا على طبق من مائدة عامرة بالإيمان، موصولة بالسماء، ومستقرها في الجنان، ومبدؤها من رمضان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة". (رواه الترمذي وصححه الألباني).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". (رواه البخاري ومسلم).

إن رمضان شهر الفرحة، فهو فرحة فوق فرحة، فرح يعقبه فرح، حيث: صيام، وقيام، وقرآن، وصدقة، وجهاد، وذكر، واستغفار. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".(رواه مسلم).

جاء في معاجم اللغة أن "فرحة" اسم، وجمعها: فَرَحات وفَرْحات، والفَرْحَةُ: المَسَرَّةُ والبُشْرَى، والسُّرُورُ، الْبَهْجَةُ، وهي نقيض الحُزْن. وفرِحَ بـ يَفرَح، فَرَحًا فهو فَرِحٌ، وفَرْحَانُ، وفَارحٌ وهي فَرِحَة، وفَرْحَى، وفرحانة، وفارِحَةٌ، والمفعول: مَفْرُوح به، وإفْرَاحُ الوَلَدِ: إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ.

قال ابن رجب: "أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوسَ مجبولةٌ على الميل إلـى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح؛ فإذا امتنعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر، فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصًا عند اشتداد الحاجة إليه؛ فإن كان ذلك محبوبًا لله كان محبوبًا شرعًا".

من هنا ورد أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يحب تعجيل الفطر، وتأخير السحور. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر". (رواه البخاري ومسلم).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تسحَّروا فإن في السحور بركة". (رواه البخاري ومسلم).

وللصائم دعوة، ولربما استجيبت، فعند أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ".(صحيح الجامع للألباني).

وتصل الفرحة منتهاها بالصائم، حتى يستحيل خلوف فمه (رائحته المتغيرة) طِيبا. قال، صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك".(رواه البخاري ومسلم).

يتابع ابن رجب: "أما فرحته (العبد) عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدَّخرًا؛ فيجده أحوجَ ما كان إليه، كما قال: "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا".(المزمل:20). وكما قال: "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".(ٍيونس:58).

وهكذا، تعظم في رمضان قراءة القرآن. قال، صلى الله عليه وسلم: "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". (حديث حسن، الجامع الصغير).

وفي صيامه: عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة بابًا يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد". (رواه البخاري ومسلم).

وكان رسول الله يحث على قيام رمضان. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يُفرض عليكم". قالت: "وذلك في رمضان". (متفق عليه).

ويؤيده ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". (رواه النسائي وصححه الألباني).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف