المساء
السيد العزاوى
أهل الإيمان
من الذين أنعم الله عليهم بالهداية والانضمام للدعوة المحمدية مبكراً كعب بن مالك الخزرجي السلمي ويكني أبا عبدالله وهو من بني سليمة وأمه من نفس هذه القبيلة من شهد بيعة العقبة وطل ملازماً لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وكان من رجال الأنصاري الذين منحهم طلاقة اللسان وفصاحة البيان شعراً فقد كان من شعراء المسلمين في فنون الحرب والقتال. وحين قدم لرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ المدينة المنورة آخي بينه وبين طلحة بن عبد الله وذلك كان الرسول يؤاخي بين المهاجرين والأنصار وقد تخلف كعب عن غزوة بدر حيث إن الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان مسرعاً في الإعداد لهذه الغزوة. ولذلك لم يعاتب أحداً تخلف عن الذهاب إليها. وفي يوم لبس كعب "درع" الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وكانت الدرع لونها أصفر وفي الوقت لبس النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ درع كعب وقد خرج كعب يوم أحد وفي جسمه إحدي عشرة جراحة مما يشير إلي أن كعباً كان من الذين يقاتلون في صفوف المجاهدين الذين لا يهابون الأعداء فقد كان مقاتلاً قولاً وعملاً!!
كان كعب بن مالك من الشعراء الذين التفوا حول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول ابن سيرين كان شعراء النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ. حسان بن ثابت. وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحه. وقد كان كعب يخوفهم الحرب وحسان يقبل علي الأنساب. وكان عبدالله بن رواحة يعير أهل الجاهلية بالكفر. ويضيف بن شيرين: لقد كان كعب سبباً في إسلام قبيلة دوس. وذلك حين بلغهم شعر كعب حين قال مخوفاً قبيلة دوسك
قفينا من تهامة كل وتر... وخيبر ثم أغمدنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت... قد اطعهن: دوساً أو ثقيفا
علي الفور تحركت دوس وقال زعماؤها: انطلقوا فخذوا لأنفسكم حتي لا ينزل بكم مانزل بثقيف.
ورغم الأداء الرائع من كعب مالك سواء في الميدان أو في الشعر إلا أنه تخلف عن تبوك لشدة الحر وكان أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن هذه الغزوة وهم كعب ابن مالك ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية. ويتحدث عبدالرحمن بن كعب قائلاً عن أبيه: لم أتخلف عن النبي في غزوة غزاها حتي كانت تبوك إلا بدراً ولم يعاتب النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أحداً تخلف عن بدر لأنه ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان يريد العير المحملة بالتجارة لقريش ولعنصر السرعة لم يعاتب النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أحداً تخلف عن بدر. ويضيف كعب متحسراً علي عدم ذهابه يوم بدر يقول مقسماً: لعمري إن أشهر مشاهد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في الناس ليوم بدر وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيتي ليلة العقبة حيث توافقنا علي الإسلام.. يشير بذلك إلي أنه يعتز ببيعة العقبة لأنها كانت أول الإسلام لكن تخلفته عن غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ مؤكداً أن الحر الشديد هو الذي حال بينه وبين المشاركة في تبوك.
هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان له ـ صلي الله عليه وسلم ـ موقف منهم حيث قاطعهم وأمر بمقاطعتهم ومنع الحديث معهم لدرجة أن كعباً حبس نفسه وكذلك الثلاثة حتي إن هذا الحبس وتلك المقاطعة جعلتهم يضيقون بكل شيء حولهم حتي إن أنفسهم قد ضاقت بشدة وقد وصف الله سبحانه هذا الموقف بقوله: "وعلي الثلاثة الذين خلفوا حتي إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم" التوبة: 118 ومن المفارقات أن كعب بن مالك بعد نزول هذه الآية الكريمة توجه إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فإذا هو جالس بالمسجد وحوله المسلمون وكان مستنيراً كاستنارة القمر أي وجهه ـ صلي الله عليه وسلم ـ مضيئاً كالقمر وأفضل. وحين جلست بين يديه فقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم آتي عليك منذ ولدتك أمك. فقلت: يا نبي الله من عند الله أم من عندك؟ قال: بلي من عند الله ثم تلا الآية الكريمة: "لقد تاب علي النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العُسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم. وعلي الثلاثة الذين خلفوا حتي إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت".. هكذا كان كعب بن مالك صادقاً مع نفسه ومع الله ورسوله فجاء العفو من عند الله تعالي.. وهذه ثمار صدق أهل الإيمان. رحم الله كعب بن مالك ونسأل الله توبة صادقة يتقبلها الحق تبارك وتعالي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف