الأهرام
نيفين مسعد
المسألة القطرية ومستقبل مجلس التعاون الخليجى
بحلول يوم ٢٥ مايو الماضى يكون قد مر ستة وثلاثون عاما على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ولقد ارتبطت نشأة المجلس بالحاجة لمواجهة التهديدات الخارجية التى تمثلت فى تهديدين أساسيين ، قيام الثورة الإسلامية فى إيران واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية. لم تخسر الدول العربية الخليجية فقط بقيام ثورة إيران حليفا مهما تمثل فى الشاه محمد رضا بهلوى، لكنها باتت أيضا فى مرمى تهديد النظام الجديد الذى أطاح بالشاه، فمنذ اللحظة الأولى تبنت الثورة الإيرانية خطابا معاديا للدول الخليجية نتيجة العلاقة الوثيقة بين هذه الدول وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ونصّبت إيران نفسها حامية للأقليات الشيعية عموما وفِى جوارها العربى خصوصا، ولم تفتأ تكرر مطالباتها بالبحرين بل وأضافت لها الإشراف على الحرمين الشريفين. وعندما وقعت الحرب العراقية - الإيرانية وجدت الدول الخليجية نفسها بين خطرين: خطر النظام البعثى العراقى وخطر النظام الثورى الإيرانى، وفِى هذا السياق انبثقت فكرة تكوين كيان تنظيمى يجمع بين الدول الخليجية ويستفيد من العوامل الجغرافية والتاريخية والبشرية التى تبرر الحديث عن « الأسرة الخليجية» .

فيما بعد ظل عنصر التهديد الخارجى هو العنصر الأساسى الذى حافظ على استمرار مجلس التعاون الخليجى فى الوقت الذى تفكك فيه مجلس التعاون العربى وتجمد فيه الاتحاد المغاربى . بل إن العمل على تعزيز العلاقة بين دول المجلس والانتقال بهذه العلاقة من مستوى التعاون إلى مستوى الاتحاد ارتبط أيضا بالتهديد الخارجى الناجم عن الثورات العربية. فمع أن العاهل السعودى الراحل عبد الله بن عبد العزيز كان ناقدا للحصيلة المحدودة لتجربة مجلس التعاون الخليجى منذ أن كان وليا للعهد ، إلا أنه لم يُقر له أن يضع فكرة الاتحاد الخليجى على جدول أعمال القمم الخليجية إلا فى ديسمبر عام ٢٠١١، وخرج البيان الصادر عن الدورة ٣٢ للقمة الخليجية بالرياض ليذكر أن قادة دول المجلس رحبوا وباركوا الاقتراح المقدم من خادم الحرمين الشريفين بشأن « الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد «. وقد أعيد طرح الاقتراح نفسه فى الدورة ٣٤ للقمة الخليجية المنعقدة بالكويت فى ٢٠١٣ وإن نص بيان القمة على «استمرار المشاورات بشأن تشكيل اتحاد خليجى». وكان من المفهوم أن تردد الدول الخليجية فى اتخاذ هذه الخطوة مرده الخوف من تأثيرها على استقلالية قرارها السياسى. ومع أن التهديدات الخارجية كانت هى المنشئة للمجلس والدافعة للتفكير فى تطويره إلا أنه يمكن القول إنه كان هناك دائما اختلاف فى تقييم درجة خطورة هذه التهديدات تبعا لتقدير كل دولة لمصالحها الوطنية . وهكذا نجد أن دولة مثل سلطنة عمان لم تتجاوب مع قرار مقاطعة مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ولا انحازت للعراق فى حرب الخليج الأولى ولا شاركت فى الحرب عليه عامى ١٩٩١ و٢٠٠٣. كذلك فإنه فى الوقت الذى توترت فيه العلاقة مع إيران شكلت قطرا جزءا من محور الممانعة جنبا إلى جنب مع كل من إيران وسوريا وحركة حماس وحزب الله، وظل هذا الوضع قائما إلى أن امتدت آثار الربيع العربى لسوريا فتغيرت خريطة المحاور وألقت قطر بكل ثقلها إلى جانب المعارضة المسلحة للنظام السورى. ومع أن الدوحة على امتداد الصراع السورى لم تكن لها منصة سورية كتلك المنصات التى ارتبطت بأسماء الرياض وموسكو والقاهرة، إلا أنها كانت مؤثرة فى ديناميات هذا الصراع، أولا عبر علاقتها الوثيقة بالتنظيمات المسلحة مما يسر لها أن تنجز صفقات من نوع التفاهم مع جبهة النصرة على إطلاق الجنود اللبنانيين المخطوفين فى عرسال، وثانيا عبر احتفاظها بقنوات اتصال مفتوحة مع إيران كما تجلى فى الاتفاق على تبادل سكان المدن السورية الأربعة . وفِى الحقيقة فإن خروج قطر من محور الممانعة وعدم القطع معه فى الوقت نفسه يمثل أحد أوجه السياسة القطرية القائمة على التلاعب بالمتناقضات: الانفتاح على إسرائيل والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، الدخول فى التحالف الدولى ضد الإرهاب ودعم التنظيمات الإرهابية، الالتزام بأمن الخليج وشن حملات إعلامية ممنهجة ضد بعض دوله، رفع شعار الممانعة الذى يعنى ضمن أشياء أخرى الاستقلال الوطنى واستضافة أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى المنطقة ومؤخراً إقامة قاعدة عسكرية تركية ، تشجيع الديمقراطية فى الخارج والتنصل منها فى الداخل ...إلخ .

هنا يثور السؤال: إذا كانت قطر مثلت لفترة جزءا من محور الممانعة وحين ابتعدت عنه أبقت على قنوات اتصال معه عبر حماس وإيران فماذا تغير الآن حتى تتم مطالبتها بإدارة ظهرها لأطراف هذا المحور؟ الإجابة تكمن فى تغير السياق الإقليمى والدولى بالمطلق، فعناصر مثل انكشاف الدولة الوطنية العربية، وتأجج الصراعات المسلحة الداخلية، واحتدام الاستقطاب الطائفى، وتمدد النفوذ الإيرانى بشكل غير مسبوق وفِى ساحات عربية جديدة، وتصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية فى العديد من دول العالم ، ووصول ترامب للسلطة بموقفه المسبق من إيران، هذه العناصر لم يكن لها وجود فى السابق والآن تفرض نفسها بقوة وتحول دون أن تستمر قطر فى اللعب على كل الحبال.

بعد ستة وثلاثين عاما على نشأة مجلس التعاون الخليجى فى مواجهة التهديدات الخارجية هاهو الاختراق التركى والإيرانى لدوله يتفاقم، وهاهو الرئيس الأمريكى ترامب يعرض الوساطة وظنى أن هذا لإعادة الاعتبار لحلفه الإسلامى السنى الذى أربكته تقاطعات المواقف السنية الشيعية فضلا عن رفضه بالتأكيد لأن تتحول إيران من دولة محاصرة لدولة تفك حصار الآخرين!، بل ها هو مسؤول قطرى يصرح بأن الخلاف يدفع الدوحة «ببالغ الأسى فى اتجاه الانسحاب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية». لكن تخطئ قطر إن تصورت أن خروجها من المجلس سيكون خروجا آمنا، أو أنها يمكن أن تستبدل علاقتها مع تركيا وإيران بعلاقتها مع السعودية والإمارات، أو أن تواصل كعادتهاإرسال الرسالة وعكسها: التهدئة الإعلامية من جهة والتصعيد بتسريع الاتفاق العسكرى مع تركيا من جهة أخرى .وإذا كانت قطر فعلا تنحاز لقوى المقاومة كما تقول فلتتأمل تصريح نتنياهو قبل يومين «لن يُقتلع أى مستوطن ولن نتخلى عن الجولان» وتعيد النظر فى سياستها التى أرهقت المنطقة وما تزال ونال مصر من أذاها الشىء الكثير جدا.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف