د . أحمد عاطف
الوجه الآخر لكوريا الشمالية
جاء على رأس أكثر الأفلام جدلا بمهرجان كان الماضى فيلم ينبش بكل قوة فى ملفات شائكة. الفيلم لمخرج فرنسى على رأس من يثيرون الغبار حولهم كلما فتح موضوعا او تعرض لقضية. عن كلود لانزمان المخرج والصحفى المخضرم أتحدث. و هو يتعرض فى فيلمه التسجيلى «نابالم» عن انطباعاته عن كوريا الشمالية اليوم، لكن ايضا منذ أكثر من نصف قرن. يتابع الفيلم لانزمان وهو يتجول مع مرافقين من كوريا الشمالية بعد أن نال تأشيرة سياحية يزور فيها أهم المعالم بالعاصمة بيونج يانج. و منها تماثيل عملاقة للزعيم الأسطورى كيم يل سونج وابنه كيم جونج ايل الذى حكم بعده. سونج يعتبر مؤسس كوريا الشمالية فى القرن العشرين وزعيمها وقائد الشيوعية فيها و رجل الاتحاد السوفييتى هناك و قائد المقاومة المناهضة للغزو اليابانى.
ثم يتابع لانزمان زيارة الشوارع الحديثة والحدائق الرائعة والمدينة التى تبدو من خلال شوارعها الرئيسية شديدة النظام و التحضر. يقول لانزمان: «لكن يبدو ألا يوجد بها بشر يعيشون». فعدد البشر الذى يظهرهم الفيلم يمرون بالشوارع قليل جدا وكأنهم مختبئون فى أماكن العمل أو الدراسة أو فى منازلهم. لا تعرف أغلبية شعوب العالم الكثير عن كوريا الشمالية المليئة بالكثير من النوادر كولع كيم جونج ايل - الزعيم السابق ووالد الرئيس الحالى ـ بالطعام والشراب خاصة الاستاكوزا. والشائعات حول إعدامه كبار رجال الدولة لأتفه الأسباب، يقدم لنا المخرج صورة اقرب للحقيقة عن كوريا الشمالية وان كانت صورة منقوصة تحكى جانبا واحدا من الف جانب. بعد ان حدث تشويه عالمى لصورة شعب كوريا الشمالية، يمنح لانزمان متفرجى فيلمه الفرصة ليرد للكوريين جزءا من صورتهم كبشر متحضرين مسالمين رائعين. صحيح ان هذا تم من خلال متابعة لدروس رياضة التايكوندو المشتهرين بها هناك ، لكن ايضا من خلال قصة شخصية حدثت لكلود لانزمان وقت زيارته كوريا الشمالية لاول مرة عام 1956. يحكى لانزمان أنه كان فى طليعة وفد غربى رفيع المستوى زار العاصمة بيونج يانج بعدما تعرضت لهجمة امريكية صينية دمرت البلد بأكملها. بدأ الصراع عندما بادرت كوريا الشمالية باقتحام جارتها الجنوبية عام 1950 وضمتها اليها لانها كانت بلدا واحدا قبلها باربع سنوات.
وشهدت الحرب الكورية طفرة هائلة فى الاسلحة، ولعب السلاح الجوى دورا محوريا وحاسما فى هذه الحرب. و كانت كارثة بشرية بكل المقاييس حيث قتل مليونا مواطن كورى من المدنيين ونصف مليون عسكرى من الكوريتين، بينما قتل لامريكا وحلفائها 160 ألف عسكري. ومن وقتها اغلقت كوريا الباب على نفسها و لم تنفتح على العالم إلا قليلا. و اتبعت سياسة العزلة عن العالم الذى لم يساندها وترك اغلب شعبها يقتل. لكن العزلة لم تمنع كوريا الشمالية من تطوير نفسها الى اقصى حد سواء تكنولوجيا او عسكريا. و كذلك اصبحت من اهم القوى التى تمتلك سلاحا نوويا فى العالم ودائما ما تهدد به يمينا و مسارا. وسبب خوف العالم من التهديد الكورى الدائم بذلك ليس منبعه العظمة التى أضفتها عائلة كيم ايل سونج على نفسها ولا الترويج للشخصية المندفعة لزعماء العائلة جميعهم، لكن لان هناك ( ثأر بايت) لكوريا عند امريكا بل وعند العالم كله. وطبعا كلود لانزمان معروف للعاملين فى صناعة السينما بكونه استاذ اللعب بالتاريخ وتوجيه العقول نحو اعتناق الأكاذيب. انه بلا شك أحد اهم الصهاينة الكبار بالعالم. وقد ثارت ضده مرارا وتكرارا موجات ضخمة من الاحتجاجات بسبب تشويهه حقائق القضية الفلسطينية وتبجيله جيش الاحتلال الصهيونى. لكن يحسب له هنا تغيير الصورة عن كوريا الشمالية الى شكل أكثر إيجابية. ربما لغرض ما مختبئ سنعرفه لاحقا.