د/ شوقى علام
الدين المعاملة .. تحقيق السلم الاجتماعي مفاهيم ووسائل "3"
الجهاد مصطلح شريف في تراثنا وفكرنا وفي قلوبنا ونحن متعلقون به تعلقا تاماً ولابد من تحرير هذا المصطلح والتدقيق فيه جيدا وفي التراث هذا المصطلح يأتي عند لقاء العدو غير المسلم وللجهاد آليات في الإسلام وهو مشروع وغاية نبيلة للدفاع عن الأعراض والأموال والأنفس وله العديد من الضوابط التي تحفظه من العنف والإرهاب.
وتتأسس مشروعية الجهاد علي إرساء مبادئ الخير والعدل والرحمة والتوحيد في العقيدة. والمتأمل يجد أن ¢سبيل الله¢ في القرآن الكريم والسنة الشريفة معناه : التوحيد في مجال العقيدة. والرحمة في المجال الأخلاقي. والعدل في مجال التشريع. يقول سبحانه وتعالي في العقيدة: "وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَسُولي إِلَّا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعبُدُونِ" الأنبياء: "الآية 25" ويقول في مجال التشريع: "إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربَي وَيَنهَي عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ" "النحل: الآية 90". وحينما يتحدث عن السمة العامة للرسالة الإسلامية يقول سبحانه: "وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ" "الأنبياء: الآية 107". ويحدد النبي- صلي الله عليه وسلم- هدف رسالته في قوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هي التي تظهر لنا غاية الجهاد. وحكمة مشروعيته.
ومما سبق يتبين أن للجهاد في الإسلام غايةً إنسانيةً ساميةً. وحكمة إلهية عادلة وهي دفع الظلم والعدوان عن المظلومين. وحماية حق الإنسان في معرفة الدين الحق وحرية اعتناقه. وذلك بعد نشر دعوة الإسلام والتعريف بحقائق الدين لمن لم يصل إليه بيان ذلك. ثم إتاحة حرية الاختيار له بعد عرض الإسلام ودعوة الحق عليه بلا إكراه ولا تزييف ولا تشويه كما يجري عليه الحال في كثير من بلدان العالم اليوم التي تناهض الإسلام وتتعمد تشويه شريعته وعقيدته بالباطل والبهتان.
ومن المفاهيم البي يجب توضيحها كذلك. مفهوم: ¢التكفير¢. حيث إن تكفير المخالف سمة تُعَدُّ هي الأكثر شيوعا في العلاقات بين الجماعات المتطرفة. مقلدين في ذلك أسلافهم من الخوارج» فقد كان التكفير اللفظ الأسهل علي ألسنتهم عند وقوع أول مخالفة. بل غَالَوْا في التحذير من الشرك حتي أدخلوا في الشرك ما ليس شركا! حيث إن قولهم في الشك في كُفْر الكافر أو في من لم يُكَفِّر الكافر أصبح من أهم الأصول التي اعتمدوا عليها في الحكم العام بالتكفير والردة. ومن ثَمَّ قتالهم للمسلمين.
وهم مع ذلك لا يتورعون في الدفاع عن دعوتهم. فضلا عن أن يستغلوا النصوص الشرعية. فيوقعوها علي غير وجهها الصحيح وينـزعوها من السياق. مع عدم مراعاة الظروف التاريخية. فضلا عن الاعتماد علي الروايات التاريخية.
لذا يلاحظ في أقوالهم تناقض عجيب» فهم يفسرون أفعال الناس وأقوالهم علي غير وجهها. متخذين من ذلك مدخلا لتكفير غيرهم خاصة الخصوم.
ونصوصهم في هذا السياق تتشابه وتتقارب إلي حدّ كبير لا فرق بين القدامي منهم أو المعاصرين. فاللغة المستعملة في الحكم علي الخصوم هي ذات اللغة لا فرق. والتشابه اللغوي فرع عن التشابه في المفاهيم بما يصل لحد التطابق.
ومنشأ الغلط أنهم حسبوا أنفسهم أبوابًا بين الخلق والخالق. بيدهم صكوك التوبة والمغفرة والإيمان.
وهذا يناقض جملة وتفصيلا ما جاء به الدين الحنيف الذي جعل الحكم علي الناس وبينهم من وظيفة القاضي. لا يجوز لغيره التجرؤ والافتيات عليه فيه. لما في ذلك السلوك من المخاطر الشديدة. علي الفرد والمجتمع.