المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. الإضراب .. حق معلوم
علي عكس ما قالت به المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في أواخر ابريل الماضي جاء تقرير هيئة مفوضي الدولة ـ بمجلس الدولة ـ ليؤكد حق الموظفين في الإضراب عن العمل ولكن بشروط محددة حتي لايؤدي إلي الفوضي أو إلي الإضرار بمصالح الناس.
تقرير هيئة مفوضي الدولة نشرته "الأهرام" يوم الثلاثاء الماضي ويؤكد علي أنه لكي تكون ممارسة الموظف العام لحقه في الإضراب مشروعة لابد من توافر عدة شروط له.. هي أن يكون جزئياً لا كلياً.. وألا يترتب عليه تعطيل عمل المرفق العام.. لأن الغرض الأساسي من المرفق العام هو إشباع حاجات المواطنين وليس تلبية رغبات العاملين بالمرفق.. وعليه فلا يجوز تعطيل المرفق كاملاً للمطالبة بطلبات خاصة بالعاملين به.. بما يؤثر علي الغرض الأساسي لهذا المرفق وبشرط أن يكون سلمياً لأن ممارسة الحق لا تجوز أن تكون بطريقة غير مشروعة.
هذا التقرير الذي أعده القاضي محمد علاء زعزوع مفوض الدولة جاء في الواقع ليصحح الانطباع المسيئ ـ داخلياً وخارجياً ـ الذي خلقه حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بعدم مشروعية حق الإضراب عن العمل وإحالة الموظفين والعاملين الذين يضربون عن العمل إلي المعاش بدعوي أنهم يعطلون مصالح المواطنين.
ولم يكتف الحكم بتشويه وجه مصر "الدولة" ويظهرها أمام العالم بمظهر الدولة القمعية التي تجرم كل أشكال الاحتجاج ـ التظاهر والإضراب ـ وإنما امتد تأثيره لتشويه وجه الشريعة الإسلامية الغراء عندما نص منطوق الحكم علي أن الشريعة الإسلامية لا تبيح الاضراب ولا تقره لما فيه من إضرار بالمواطنين.. كما استخدمت الشريعة لتبرير التحلل من أي التزام بالاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادرة في عام 1981 والتي وقعت عليها مصر.. وبمقتضي هذا التوقيع صارت لدينا مرجعية قانونية وتشريعية لإقرار حق الإضراب.
وعندما صدر حكم المحكمة الإدارية العليا كان واضحاً أنه يسير بمصر عكس اتجاه التاريخ.. فالعالم كله يتحدث لغة مختلفة.. لغة تقر الحق في التعبير السلمي عن الرأي والمطالب بكافة الطرق.. التي من بينها التظاهر السلمي والاضراب وفق ضمانات وقواعد محددة.
وكان واضحاً أيضاً أنه تم استدعاء الشريعة لتبرير السير في هذا الاتجاه المعاكس.. ووضع الشريعة في موقف تصادمي ضد الحقوق العمالية المدنية.. كي يترسخ في الأذهان أن الشريعة لا تتناسب مع معطيات العصر ومتطلباته.. لأنها تتنافي مع كل ما له علاقة بإقرار الحقوق.. وتقف فقط مع كل ما له علاقة بالقمع ومصادرة الحريات.
لهذا كله.. يجب أن نتوقف كثيراً أمام تقرير هيئة مفوضي الدولة برئاسة المستشار عمر السمني.. باعتباره طوق الانقاذ "القانوني" لسمعة مصر وسمعة الشريعة معاً.. فمصر لا تستحق منا أن توضع في خانة الدول "النادرة جداً" التي تجرم الإضراب والمطالب العمالية السلمية.. والشريعة الغراء لا تستحق منا أن نضعها في موقف التصادم مع الحقوق المدنية العمالية.
وكلنا أمل في أن يحظي هذا التقرير "التقدمي" بما يليق به من الاحتفاء والاهتمام علي المستوي التشريعي والمستوي القضائي علي حد سواء.. ويتم اتخاذ الضمانات التي وضعها بعين الاعتبار.. حتي يتحقق التوازن المطلوب بين حق العامل في الاضراب كوسيلة سلمية للتعبير.. وحق المواطنين في عدم تعطيل مصالحهم.. علي النحو الذي تأخذ به الدول والشعوب الحرة.
مصر تستحق الحرية.. والمصربين يستحقون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف